هل ثمة مشكلة في أن ينتصر القذافي؟

TT

تحول الزخم في المعركة الدائرة داخل ليبيا إلى صف القوى الموالية للقذافي، بينما اقترب الديكتاتور الليبي أكثر من معقل المتمردين في بنغازي نهاية الأسبوع. وقال مدير الرئيس أوباما للاستخبارات الوطنية، جيمس كلابر، للمشرعين داخل كابيتول هيل، إن «النظام الحاكم سينتصر».

وبينما تقوم القوات الحكومية الليبية بشن هجوم، ثمة سؤال يواجه صناع السياسات داخل الولايات المتحدة حاليا: «هل ثمة مشكلة في أن ينتصر القذافي؟».

من يحذرون ضد الدعم الأميركي للمقاومة الليبية يقولون «لا»، إذ يجب أن لا تنجر أميركا المجهدة إلى تدخل آخر غير واضح المعالم لأسباب إنسانية. ولكن مع تنحية الضرورة الأخلاقية، يبدو من منظور استراتيجي عملي أن المخاطر بالنسبة للولايات المتحدة داخل ليبيا كبيرة، كما أن تبعات ترك القذافي ينتصر قد تمثل كارثة للأمن القومي الأميركي.

وإذا تمكن الديكتاتور الليبي من البقاء، فإنه من غير المحتمل أن يستأنف نهجه خلال الأعوام الأخيرة، عندما قام بتسليم أسلحة الدمار الشامل التي لديه ونبذ الإرهاب وتعامل بلطف مع الغرب. والأكثر احتمالية أن يتصرف بوحشية كما كان يفعل قديما، عندما قامت ليبيا برعاية الإرهاب؛ وفجرت «بان آم 103» فوق اسكوتلندا مما أدى إلى مقتل 270 شخصا؛ ودمرت طائرة ركاب فرنسية فوق النيجر خلفت 171 قتيلا؛ وفجرت ملهى «لا بال» الليلي في برلين الغربية، مما نجم عنه مقتل جنديين أميركيين وجرح أكثر من 50 رجل خدمة أميركيا؛ وأنشأت معسكرات تدريب إرهابية على الأراضي الليبية؛ وقدمت للإرهابيين أسلحة وملاذا آمنا؛ وتآمرت لقتل قيادات داخل السعودية وتشاد ومصر والسودان وتونس وزائير. ولو تمكن القذافي من إخماد التمرد، سيظهر «قذافي» غاضب وأكثر جرأة، ويعد ذلك مزيجا خطيرا.

لو تمكن القذافي من البقاء، من المحتمل قطعا أن يوقف عملية تدمير برامج تطوير أسلحة الدمار الشامل، وهي عملية بدأها إبان إدارة بوش. ومنذ 2003 قامت ليبيا بتسليم المكونات الهامة لبرامج صاروخية باليستية وبرامج نووية، وسمحت بتدمير أكثر من 3300 قنبلة جوية تنشر أسلحة كيميائية. ولكن لا يزال لدى القذافي مخزون من أسلحة الدمار الشامل - ويشمل ذلك غاز الخردل والمواد الكيميائية اللازمة لتصنيع السارين وغيرها من غازات الأعصاب - التي كان من المقرر تدميرها تحت إشراف دولي. وهذه مواد سامة قاتلة، يحتاج إليها إرهابيون بصورة ملحة.

وإذا تمكن القذافي من البقاء، فإنه من غير المحتمل أن يحقق نظامه الحاكم انتصارا حاسما. ويعني ذلك مأزقا، إذ ربما يغيب القانون عن شرق ليبيا وتصبح منطقة غير خاضعة لحكم جهة معينة. وربما يتحول زعماء التمرد المعتدلون - الذين طلبوا من الغرب يد العون وفشلوا في الحصول عليه - إلى عناصر راديكالية. ويمكن أن يدخل تنظيم القاعدة من خلال تقديم الأسلحة والتدريب اللذين فشلت أميركا في تقديمهما، ويحصلون في مقابل ذلك على ملاذ آمن. وبينما تستمر الولايات المتحدة في الضغط على تنظيم القاعدة داخل المناطق القبلية من باكستان، ربما يهاجر بعض الإرهابيين إلى شرق ليبيا، حيث أصول الكثير من قيادات تنظيم القاعدة، ليحولوا المنطقة إلى ملاذ جديد للإرهابيين.

وإذا تمكن القذافي من البقاء، على الرغم من مطالبة الرئيس أوباما برحيله عن ليبيا، فإن ذلك ربما يبعث برسالة ضعف أميركي داخل العالم الإسلامي، ويعزز من تصور داخل عقول عربية عن دولة أميركية ضعفت بسبب دورها داخل العراق وأفغانستان وتخشى من أي تصرف. وكان هذا التصور عن الضعف الأميركي سببا لتجرؤ تنظيم القاعدة قبل هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001. والسماح للقذافي بأن ينتصر يمكن أن يشجع المتطرفين، وينتج عن ذلك المزيد من أعمال الإرهاب. كما قد يشجع ذلك ديكتاتوريين في إيران وكوريا الشمالية، ممن يرون غياب الحزم الأميركي في التعامل مع القذافي ويفترضون أن لديهم حرية في أن يعيثوا فسادا من دون خشية رد أميركي حاسم.

يجب أن لا يؤمن المرء بـ«أجندة الحريات» كي يرى خطورة العواقب الجغرافية السياسية في السماح للقذافي بالبقاء، وأن الولايات المتحدة لديها مصلحة استراتيجية في مساعدة المتمردين الليبيين على النجاح في إزاحته من سدة الحكم. وقال جيمس كلابر إن السبب الذي يجعله يرى أن القذافي سينتصر هو أن نظام حكمه لديه قوة كبيرة. ويمكن حل هذه المشكلة من دون إرسال قوات أميركية على الأرض، وذلك من خلال تسليح وتدريب المتمردين الليبيين. لقد ساعدت الولايات المتحدة «الكونترا» في الإطاحة بنظام «الساندينية» في نيكاراغوا، وساعدت الأفغان على إخراج الجيش الأحمر السوفياتي، من دون إرسال قوات ميدانية. ويمكن أن نساعد المتمردين الليبيين ليطيحوا بالقذافي من دون إرسال «المارينز» إلى شواطئ طرابلس.

بعد أن تنبأ كلابر علنا بانتصار القذافي، أعلن الرئيس أوباما: «اسمحوا لي أن أكون واضحا مرة أخرى بشأن طبيعة سياستنا تجاه الوضع هناك، التي حددتها كرئيس للولايات المتحدة. سنبقى على اتصال بالمعارضة، ونتشاور مع المجتمع الدولي ونحاول الوصول إلى هدف إزاحة القذافي عن السلطة». نحاول؟ عندما يعلن رئيس الولايات المتحدة عن وجوب رحيل ديكتاتور، فإنه يحتاج إلى شيء أفضل من المحاولة.. يحتاج إلى النجاح.

* زميل زائر في معهد «إنتربريز» الأميركي ومؤلف كتاب «كورتينغ ديزاستر»

* خدمة «واشنطن بوست»