من الملك إلى الشعب

TT

استمع السعوديات والسعوديون يوم أمس إلى خطاب تاريخي من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز.. تاريخي بمفرداته ومضامينه التي تعكس تركيبة السعودية الحقيقية، وطبيعتها الخاصة، وتبعه بحزمة قرارات ضخمة مست جميع شرائح المجتمع السعودي.

استهل الملك كلمته بالقول «أيها الشعب الكريم» وأردفه بعبارة لن ينساها السعوديون وهو يقول «كم أنا فخور بكم»، مضيفا «أقول ذلك ليشهد التاريخ.. وتكتب الأقلام.. وتحفظ الذاكرة الوطنية بأنكم بعد الله صمام الأمان لوحدة هذا الوطن وأنكم صفعتم الباطل بالحق. والخيانة بالولاء».

وهذا خطاب له الكثير من الدلالات، فالملك يمتن لشعبه، وهذه تركيبة البلاد، حيث البيعة، والعلاقة المتبادلة، وليس الأمر والتوجيه فقط. وكم كان لافتا أن أثنى المليك على العلماء في هيئة كبار العلماء أو خارجها، ثم قال: «ولا أنسى مفكري الأمة وكتابها الذين كانوا سهاما في نحور أعداء الدين والوطن». وكذلك المواطنون والمواطنات، وأجزل الشكر والثناء لقطاع الأمن، وهو يستحق.

خطاب تاريخي بلغته الإنسانية.. لغة التلاحم بين الملك والمواطن، كيف لا وخادم الحرمين يختم خطابه قائلا لشعبه «ولا تنسوني من دعائكم».

ولم يقدم المليك لشعبه الكلام فقط، بل أتبعه بجملة قرارات تاريخية، وضخمة بحجمها، وتأثيرها، حيث مست الطلاب والطالبات، والعاطلين عن العمل، وكافة القطاعات في الدولة، من موظفين وموظفات، وكم كان لافتا أن أمر بوضع حد أدنى للأجور في قطاع الدولة، وهذا أمر بالغ الأهمية. ولم يغفل المليك القطاع الأمني والعسكري، كما أن القرارات التي اتخذت أمس قد مست كل مفاصل الدولة الخدماتية، والأهم أنها وصلت بقوة، وبسرعة مذهلة، لكل مواطنة ومواطن، لأنها صبت في المكان الصحيح، واتسمت بشفافية عالية، خصوصا قرار إشهار هيئة وطنية لمكافحة الفساد. وكلنا يعلم أن أهم جزء من المشكلات التي تواجهها السعودية يتركز في توفير السكن، ومكافحة البطالة، والفساد، وهذا ما استهدفته القرارات أمس بشكل واضح.

ولا شك أن القرارات كبيرة، ومن الصعب اختزالها في هذا المقال، لكن هناك قرار مهم وهو إنشاء المجمع الفقهي السعودي، وسيكون لهذا الأمر انعكاسات كبيرة ومهمة في نبذ الغلو والتطرف، وتخريج رجال دين يعون التحديات والمتغيرات التي تمر بها البلاد، بل والمنطقة برمتها، وذلك لمصلحة الوطن والمواطن.

ومن المهم التنبيه أنه بعد الأزمة المالية العالمية شهدنا كيف هبت معاقل الرأسمالية لنجدة مؤسساتها المالية، وتحديدا البنوك، لكننا اليوم بالسعودية نشهد نموذجا مختلفا، وهو حزمة قرارات تدفع بعجلة الاقتصاد لكن من خلال المواطن المستحق مباشرة، وليس عبر المؤسسات وحسب، ومن شأن هذا أن يسرع من عجلة النمو الاقتصادي، حيث يلمسه المواطن مباشرة، مما ينعكس على القطاع الاقتصادي، وهذا أمر مهم، فصحيح أن القرارات تركزت على المواطن، وموظفي الدولة، لكن المؤكد أن من ضمن المستفيدين منها أيضا القطاع الخاص، ومن خلال المواطن أيضا والدولة، وهذا الأهم والأنجع، فالقرارات الملكية تعني تزييت، وتسريع، عجلة النمو الاقتصادي.

ولذلك فإن الخطاب، والقرارات، تعد تاريخية حيث كانت مباشرة من الملك إلى الشعب.

[email protected]