وائل وطارق

TT

ليس طارق بن زياد، ولا طارق الحميد رئيس تحرير هذه الصحيفة، وإنما طارق البشري، وليس وائل فاخوري، بل وائل غنيم. وائل قام بالثورة وكان جزءا أصيلا منها وطارق البشري لم يكن في الميدان بالتأكيد، ولكن لطارق البشري الحق في الترشح لرئاسة الجمهورية، وهو الرجل الطاعن في السن، ولا يحق لوائل غنيم الذي قام مع مجموعته «كلنا خالد سعيد» بإشعال الثورة، لأن وائل متجنس بجنسية أميركية، وزوجته ليست مصرية، وهذه سخرية القدر في الثورة المصرية، «يعملوها الصغار ويسرقوها الكبار». هذا ما حدث في مصر بعد التعديلات الدستورية التي صوت المصريون عليها بالأمس. وائل يمثل مأساة المصريين في الخارج، الذين يطالبون بحق العودة، وطارق البشري يمثل الإخوان ويمثل الجيل القديم، ورغم كل ما حدث خلال ثمانية عشر يوما هزت العالم من خلال الثورة المصرية، إلا أن الثمانية عشر يوما لم تكن قادرة أن تهز النظام القديم، رغم خروج حسني مبارك. وكما ذكرت في مقال سابق، ولم يكتب اسم طارق البشري ولجنته تحت التعديلات الدستورية المقترحة للترشح للرئاسة، لقلت إن كاتب التعديلات هو فتحي سرور بشحمه ولحمه، ذات الأسلوب الذي يفصل الأمور تفصيلا. فكما كانت التعديلات الدستورية مفصلة على مقاس جمال مبارك في السابق، اليوم نرى تعديلات دستورية مفصلة لإقصاء وائل غنيم، وأحمد زويل وكل نابه مصري تزوج من أجنبية، أو حمل جنسية دولة أخرى في يوم من الأيام.

الجديد هذه المرة في موضوع الاستفتاء هو أننا لم نعد نتوقع نتائجه قبل حدوثه كما كان في السابق، وهذا إنجاز في حد ذاته، ولكن تظل الثورة المصرية ناقصة إن لم يحصل ما يقرب على ثمانية ملايين مصري يعيشون ويعملون بالخارج على حقوقهم السياسية كاملة غير منقوصة. كنا نتحدث عن «حق العودة» للفلسطينيين، واليوم أطالب بحوار جاد من أجل «حق العودة للمصريين». المصريون في الخارج الذين تركوا وطنهم بحثا عن الحرية ولقمة العيش من أجل أن ينفقوا على أهلهم الذين تركوهم يعانون تحت ديكتاتورية فاسدة استعبدت المصريين لثلاثين عاما وأكثر، خرجوا وتزوجوا في البلاد التي عاشوا فيها وحملوا جنسياتها ليس حبا فيها وإنما مضطرون تحت سيف القهر والظلم الذي لم يترك أحدا ينعم بالحياة في وطنه. الذين تزوجوا وتجنسوا لم يكونوا خارجين من سويسرا التي تنعم بالحرية، حتى يعاقبهم البشري على ما فعلوا بحرمانهم من حقوقهم السياسية الكاملة كمصريين من آباء وأجداد أجداد مصريين. لم يتوقف أحد عند زواج جمال عبد الناصر من سيدة لم يكن جدها مصريا، أو عند زواج السادات من سيدة لم تكن جدتها مصرية بل لم تكن أمها مصرية، ولا عند زواج مبارك من امرأة أمها غير مصرية وكاد ابنها يكون رئيسا لمصر، وكان ثلاثة أرباع الوزراء يحملون الجنسيات الأميركية والكندية والبريطانية. ولكن يصبح الزواج من غير مصرية مشكلة عندما يتجنس صعيدي مثلي أو عالم جليل مثل أحمد زويل أو شاب نابه مثل وائل غنيم. الغلابة النابغون الذين نجحوا في ظل نظام يعتمد الكفاءة لا المكافأة، وبذا نصبح أقل في الحقوق السياسية من المجرمين والعصابات التي سرقت وطنا برمته. هل أن تذهب إلى مكان وتحب امرأة وتتزوجها وتنجب منها، هل هذا أمر دستوري، أم أن القلوب تميل إلى من تحب، وهي مسألة إنسانية.

ليتذكر الذين اقترحوا المواد الدستورية العنصرية والمعيبة أن من تركوا مصر وتزوجوا من خارجها لم يكونوا خارجين من سويسرا أو من دولة ترفل في الحرية. لقد ترك هؤلاء مصر عندما تحولت إلى نظام عبودية مذلة ومهينة للكرامة الإنسانية، لم يرحلوا عن مصر وهي تشبه سويسرا. المصريون اليوم يعودون بعد الثورة، أليس لهم الحق في العودة كمواطنين كاملين بحقوق سياسية كاملة غير منقوصة؟ كثيرون ممن يحرمهم المستشار البشري من حقوقهم السياسية من أمثال وائل غنيم وجيل كامل من الشباب المصري من خيرة أبناء مصر، هم رأسمال مصري يجب ألا يهدر.

لقد قلت في مقال سابق إن ما حدث في الثورة هو كهرباء وطاقة عظيمة تصلح فقط لإنارة الأوطان، أما من يريد أن ينور بيته لوحده ويسرق كهرباء الثورة فستصعقه وتصعق أهله. إن التعديلات التي صوت عليها المصريون أمس، ولا ندري نتائجها، هي تعديلات تفصيل، تفصيل للإقصاء وليس من أجل لم الشمل. إنها تعديلات تنتصر لطارق البشري الذي كان في بيته، على حساب وائل غنيم الذي كان في الميدان.