من الميدان إلى الاستفتاء

TT

قصص كثيرة تسمعها في القاهرة عن أحداث ثورة «25 يناير» ومواجهات ميدان التحرير، كيف بدأت الشرارة من أمام دار القضاء العالي وأحداث المواجهات في ميدان التحرير، تردد الإخوان، في البداية، في النزول، ثم قرارهم الانضمام ومشاركتهم في حماية ميدان التحرير بما لهم من خبرة في المواجهات، التضامن بين مختلف القوى السياسية على اختلاف مشاربها، وبين المسلمين والمسيحيين المصريين، الضابط في الجيش ماجد بولس الذي لقبته مواقع شباب الثورة بأسد التحرير بعد أن أخذ على عاتقه حمايتهم من البلطجية يوم الأربعاء الدامي.

الذي أشعل شرارة الثورة هو القوى الجديدة في المجتمع المصري من أبناء الطبقة الوسطى التي تواصلت ونظمت صفوفها عبر فضاء الإنترنت، وكان أحد أبرز ملهميها محمد البرادعي، وانضمت إليها جماهير عادية من مختلف الأعمار وقوى سياسية تقليدية معارضة، أبرزها الإخوان، ثم كان موقف الجيش وانحيازه للشعب هو الذي قلب كفة الميزان لصالح الثورة.

في الاستفتاء الذي جرى السبت الماضي، وكان أول استفتاء حقيقي بنتائج حقيقية، ربما منذ ثورة 1952، كان الموقف مختلفا، تباينت رؤى شركاء الثورة، القوى التقليدية المنظمة مثل الإخوان أيدت الـ«نعم» وحصلت على أغلبية كاسحة 77%، والقوى الجديدة غير المنظمة خسرت وحصلت على أكثر بقليل من 22%، وأثار الاستفتاء، وما رافقه من حملات سياسية، مخاوف من الظهور القوي لتيار الإسلام السياسي واحتمالات هيمنته على المستقبل السياسي، فلم يعد المشهد مقصورا على الإخوان وحدهم، فهناك السلفيون والجماعة الإسلامية، والحركات الصوفية. كانت معركة الاستفتاء ساخنة سياسيا، على الرغم من قصر المدة، وإن كان الخلاف في حقيقة الأمر ليس جوهريا بين الـ«نعم» والـ«لا»، بعد أن تبين أنه في الحالتين يتعين صدور إعلان دستوري بما يعني أنه لا خوف من العودة إلى دستور 1971، الذي يرفضه الجميع، فضلا عن أن نهاية الطريق واحدة في الحالتين، على الرغم من اختلاف الأسلوب، وهو الوصول إلى دستور جديد للبلاد عن طريق جمعية تأسيسية.

الاستفتاء كان له أهمية أخرى بخلاف الـ«نعم» والـ«لا» لتحديد الطريق الذي ستمضي فيه البلاد في المرحلة الانتقالية؛ الأهمية هي في قراءة واضحة للخريطة السياسية ووزن القوى المختلفة من خلال صناديق الاستفتاء في جميع المحافظات.

المهم هو القراءة الصحيحة للنتائج؛ فقبل الاقتراع كانت التوقعات كلها تشير إلى أن الـ«نعم» ستفوز، وكان الرهان هو على النسبة التي ستجيء بها الـ«لا»، والفريق الأخير قد يكون شعر ببعض الإحباط من أن النسبة جاءت أقل من 30%.

وبعيدا عن الشعارات السياسية لكل فريق، التي كان طبيعيا أن تأخذ بعض المبالغات، فإنه من الخطأ تصور أن الـ77% كلهم إخوانيون أو من تيارات الإسلام السياسي، وعلى العكس فإن كتلة كبيرة من الناس العاديين، خاصة خارج المدن الكبرى، صوتت للنعم في ضوء قناعتها بأن ذلك سيسرع العملية السياسية، وعودة الحياة إلى طبيعتها وإعادة دوران عجلة الاقتصاد.

وأيضا الـ22% التي قالت لا، وهي أكثر من 4 ملايين صوت، ليست أقلية عادية، بل هي تمثل القوى الجديدة في المجتمع، وغالبيتها من الشباب، ولا تملك أطرا تنظيمية سياسية راسخة، وفضلا عن أنها الأكثر جرأة فهي أيضا تمثل المستقبل، بحكم العمر.

القراءة هي أن المرحلة الانتقالية لن تكون سهلة أو يسيرة، أو قصيرة، وهذا أمر طبيعي في أي مرحلة تحول سياسي جذرية في أي مجتمع، والقوى الجديدة ستحتاج إلى وقت وجهد لتنظيم نفسها، وكل الأطراف، تقليدية وجديدة، ستتعلم مع الممارسة إدارة الخلاف وقبول قرار صندوق الاقتراع ما دامت هناك مرة أخرى لاختبار القوة من خلال الصندوق نفسه.