«إيبو»

TT

الإعلام التركي أعطاه الأولوية لمدة أسبوع كامل، فقدمه على أنباء الداخل التركي بكل ما تحمل من سخونة والبلاد تقترب من الانتخابات العامة، كما أنه جعل من أنباء تعرضه للقتل وإصابته الخطيرة في الرأس فوق أنباء العقيد القذافي وجميع الانتفاضات العربية.

قيادات سياسية وزعامات وشخصيات اجتماعية وفنية تتسابق على الوقوف أمام غرفة العناية الفائقة، يلوح لها من البعيد لا أكثر ولا أقل فتخرج مبتسمة لتسجيل موقف وللتعبير عن شجب وإدانة ومطالبة السلطات باعتقال مطلقي النار على «إمبراطور» تركيا، أحد الألقاب التي يحملها المغني الشعبي إبراهيم طاطليسس.

عشرات الحوادث ومحاولات التصفية والاغتيال تنتظر العثور على فاعليها في المدن التركية لكن شرطة إسطنبول استنفرت عناصرها على الفور عند انتشار خبر تعرضه لمحاولة القتل وجمعت المكعبات وأزالت الغموض عن الجريمة خلال 24 ساعة فقط من الاعتداء، ربما شعبيته الواسعة في تركيا ودخول المسؤولين السياسيين والأمنيين على الخط كان العامل الأول في الكشف عن ملابسات المحاولة وخلفياتها وأسبابها. التكنولوجيا بجميع إمكاناتها ووسائلها كانت في خدمة المحققين الذين استعانوا بكاميرات التصوير في الشوارع ورصد آلاف المكالمات الهاتفية وعند الضرورة بصور الأقمار الاصطناعية التي كشفت عن تحركات المتهمين وتنقلاتهم.

غادر أورفة، مدينة جنوب شرقي تركيا المعروفة بغالبيتها الكردية، باتجاه إسطنبول على متن «حذاء سيدة الكعب العالي» أجمل أغانيه وأروعها التي حملته إلى القمة في أواخر السبعينات.

«هل كانت في مدينتنا أكسفورد وأنا لم أذهب إليها» هو سلاحه الوحيد في الدفاع عن عدم مواصلته لتعليمه وهو وسط الكثير من الإخوة والأخوات.

كانت الملاهي الليلية خط التماسه الأول مع مجتمع الفن والغناء لكنه سارع إلى توسيع رقعة انتشاره وتمدده باتجاه المسارح وصالات الغناء والفنادق الفخمة. أحبه الأتراك قبل الأكراد والعرب، فوالده كردي ووالدته عربية. شهرته تجاوزت الحدود التركية إلى أكثر من بلد عربي وشعبيته واسعة في صفوف المغتربين الأتراك في أوروبا.

يتصدر دائما لوائح الأكثر شعبية في تركيا لأنه يقوم بعمله باحتراف، لا منافس له في حقل الغناء الشعبي والأرابسك. «إيبو» لم يكن مطرب القواعد الشعبية والطبقة الكادحة وحدها لأنه بدأ مشواره مع الحياة كعامل يومي في ورش البناء، بل كان نجم الطبقة الأرستقراطية التركية التي كان يتصدر حفلاتها.

تربع على عرش الغناء ولم ينزل منه حتى اليوم رغم مرور أكثر من 40 عاما، فأي نوع من الديمقراطية والمشاركة وإفساح المجال أمام الآخرين هو، ونحن نناقش وننتقد لا ديمقراطية زعاماتنا وقياداتنا السياسية؟!

دائما في وسط المشكلات العائلية والعلاقات المتوترة مع زملاء المهنة والإعلاميين الذين يطاردون كل شاردة وواردة حوله. زير نساء من الطراز الأول، تنقل بين أكثر من زوجة وعشيقة ونديمة نراهن جميعا ينتظرن على أبواب المستشفى في إسطنبول، والغاية هي أن يكن إلى جانبه عندما يستفيق من غيبوبته الطويلة هذه!

20 مليون دولار هو الرقم التقريبي للحركة المالية الحالية في المؤسسات والشركات العديدة التي أسسها وتضم 600 موظف وعامل. 6 مطاعم للكباب واللحم بعجين، قناة تلفزيونية خاصة، فنادق 5 نجوم وعشرات العقود الفنية والغنائية مع أهم شركات الإنتاج التركية.

هو يقول إنه في العقد الثاني من حياته لم يكن ليملك ثمن قطعة من الكعك أحيانا، أما اليوم «فأنا أملك ما يكفي لشراء مئات الآلاف منها، لكن الرجيم هذه المرة يقف حاجزا بيني وبينها!».

فشل في إبعاد السلاح عن أجوائه ومحيطه لكن الرواية تقول إن نجاته من الموت سببها الوحيد هو أن السلاح المستخدم في العملية أصيب بعطل مفاجئ. ربما حديثه التلفزيوني الأخير قبل دقائق من التعرض له عن التسامح والمحبة، وأن الحياة لا تدوم لأحد هو الذي تشفع له أيضا.

ضائقة مالية تعرض لها عندما وسع من نشاطاته في مجالات التعهد والبناء في كردستان العراق وعجزه عن تسديد المستحقات والديون، وكانت بين أسباب إطلاق النار عليه كما يقال. هل يحق لبافاروتي تركيا أن يخرج عن مهنته الأصلية ويخوض مضمارا لا علاقة له به ليدفع ثمن توسيع نشاطاته على هذا النحو؟

سيناريو آخر يشير إلى أصابع حزب العمال الكردستاني في محاولة قتله لأنه كان يعد لترشيح نفسه على لوائح «العدالة والتنمية» في الانتخابات المقبلة، وربما الرسالة التي بعث بها إلى رجب طيب أردوغان عبر هاتفه الجوال حول طلب الترشح هذا، هو ما يعزز هذا الاحتمال ويقدمه على احتمالات أخرى ما دام أنه سيضر بنتائج المرشحين الذين كان يعد الحزب لدعمهم في أورفة.

هل سيكون الحظ حليف «إيبو» هذه المرة فيخرج باكرا من المستشفى لتوقيع طلب مشاركته في الانتخابات المقبلة، أم أن عليه الانتظار مرة أخرى بعدما فشل في آخر انتخابات جرت وشارك فيها، في أخذ مكانه داخل المجلس النيابي التركي؟