نظرية «المعامرة»!

TT

الثورات العربية الجميلة انطلقت بشكل جمالي ورومانسي أشبه بالرواية الخيالية في كل من مصر وتونس، ولكن المشهد سرعان ما تبدل وتحول ليصبح «وحشيا» بامتياز ويستدعي تدخل العالم لوقف مجازر العقيد الدموي بحق شعبه التي تحولت إلى مذبحة لا يمكن السكوت عنها ولكن ليبيا قد تقترب عمليا من سيناريو تقسيمي لأن المشهد القبلي البغيض يطغى على المشهد الوطني النبيل، وعاد المواطن الليبي إلى جذره الأول بغض النظر عن رداءة المشهد وظلمة الوضع وهو ما قد يولد ثمنا هائلا لثورة وطنية مطلوبة ومحقة في بلد مظلوم بحاكم كليبيا والقذافي.

وفي مصر هناك حديث قوي وشعور متنام بأن الثورة الشبابية «اتنشلت» منهم في ميدان التحرير وأنهم يغيبون قسريا وبالقوة عن المشهد السياسي لصالح قوى أخر لتحصر الصراع بين فريقين: فريق الإخوان المسلمين والتيار الذي يلحق به بحضوره القوي على الساحة من أمثال الجماعة الإسلامية والجهاد، وكلاهما يمثل التيار السلفي المتشدد.

ومن جهة أخرى هناك أرتال الحزب الوطني الديمقراطي الذي كان يحكم مصر حتى زمن قريب يتمردون بشتى الطرق السليمة وغير السليمة على الثورة وأصبحوا هم من وراء ما يسمى اليوم بالثورة المضادة التي تكتسب أرضية لا يمكن إغفالها.

اليوم فعليا وبعد نتائج الاستفتاء الأخير في مصر المتعلق بتعديل بعض مواد الدستور، المستفيدان من ذلك هما كل من «الوطني» و«الإخوان» وهي مسألة ستمهد لمواجهة قوية بينهما عما قريب. أحمد شفيق بات من الواضح أنه المرشح المنتظر لرئاسة الجمهورية بالنسبة لـ«الوطني» وللآن يبدو مرشح «الإخوان» غامضا، والاحتفاء الذي يبديه بعض المحسوبين على التيار الإخواني وخصوصا الجناح الأصولي المتطرف فيه مبالغ فيه وأثار مخاوف كبيرة في المجتمع المصري وخصوصا بوصفه الاستفتاء بأنه «غزوة الصناديق»!

هناك حراك واسع في بعض المجتمعات العربية «لتخريب» الدين أو «تديين» الأحزاب، وتونس تشهد بهدوء وصمت كبيرين تجهيز «حزب النهضة» للانتخابات القادمة بدعم إيراني، ثم التنسيق مع قادته في لقاءات مختلفة في بعض العواصم الأوروبية وهو تأكيد آخر على وجود تنسيق بين حركة الإخوان المسلمين وإيران بشكل مريب وغريب.

وما يحدث في ليبيا الآن يفتح الباب على مصراعيه على نظرية المؤامرة والأسئلة التي تأتي معها. لعل السؤال الأكثر ترددا هو: معقول أن كل هذا وبالدور دولة وراء أخرى يحصل بلا تنسيق خفي من أطراف خارجية؟

هناك اعتقاد بأن العرب فاشلون في كل شيء؛ فكيف دبت فيهم الروح والحماس والإبداع بشكل فجائي وأصبحوا يعدون ثورات وينظمونها وهم الذين لم يكن بمقدورهم تغيير لمبة في الحمام؟!

والإجابة المخيفة تأتي بأن ما يحصل الآن هو «بروفة» كبيرة وإعداد هائل ومحاولة للتعلم من التجربة، أطلقتها المخابرات الغربية وخصوصا الأميركية لتستفيد استعدادا لإطلاقها ضد الصين وهي المؤهلة لانشقاق داخلي ولوجود حركات انفصالية في إقليم التبت ومقاطعات يقطنها مسلمون إضافة للصينيين أنفسهم الراغبين في التحرر من الاستبداد الحاكم.

كل الفرضيات قائمة؛ فالوضع لا يزال متطورا ولم يحسم، ومن يعتقد أنه «فهم» القصة كلها لا تصدقوه.

[email protected]