حذار من الأزمة السورية

TT

قابل كثير من المعلقين خطاب الرئيس بشار الأسد الأخير بكثير من الدهشة. اعتقد بعضهم أن الخطاب سيتضمن اعترافا بالحاجة إلى التغيير، وربما بالحاجة إلى وضع أولويات مختلفة عن السابق لمستقبل سورية التي تتأثر بما يجري من حولها، لا لسبب إلا لأن الشعب السوري قد خبر طويلا التوق إلى التحرر، منذ قرن على الأقل. إلا أن ما ظهر من الخطاب، ليس فقط فشل في وضع أولويات جديدة، بل أيضا في عدم الاعتراف بالحاجة إلى ذلك، الحاجة إلى أمل يترقبه النسيج الاجتماعي السوري. كان بعض المراقبين يراهنون على ذكاء النظام بأن يستوعب الدروس العُجلى لما تم في عدد من العواصم العربية، ويضع عجلات التغيير على سكة متحركة؛ بالإشارة إلى آمال جديدة، إلا أنه لم يفعل.

ما يحدث في سورية بكل المقاييس هو الأخطر في وباء الإنفلونزا السياسية التي تضرب العرب منذ أشهر. صحيح أن مصر قاعدة مهمة للعرب، وما يحدث فيها يتأثر به العرب عاجلا أو آجلا، إلا أن الأكثر صحة أن سورية لو حدث فيها شبه ما يحدث في مصر أو تونس أو حتى اليمن، فسوف يتأثر الإقليم العربي بما هو أكثر من التغير الداخلي. إنه السياسة الخارجية التي تربط سورية بشبكة الاتصال العربية، وصولا إلى إيران في الشرق وحزب الله في لبنان.

ماذا لو حل التغيير المحتمل (ولا أقول الممكن) في سورية؟ أولا إيران سوف تتأثر كثيرا، خاصة سياستها المشرقية التي مكنت لها سورية، من خلال تحالف طويل الأمد، أن تمتد للتأثير في المنطقة العربية. فقط منذ أشهر نتذكر خطاب السيد محمود أحمدي نجاد في بيروت، الذي تحدث عن محور طهران، بغداد، دمشق، بيروت. كان السيد نجاد يعتبر ذلك المحور انتصارا ضخما لسياسته الخارجية. بخروج سورية جزئيا أو كليا من ذلك المحور، سوف تنقطع السلسلة الجغرافية، وهي بذلك لن تكون سبب فشل لتلك السياسة، بل ربما تكون عاملا من عوامل الحراك للمعارضة الإيرانية في الداخل، التي ستجد لزاما عليها الإشارة إلى ذلك بأنه فشل لسياسة الإدارة الإيرانية الحالية، وتبديد هائل للموارد المالية التي أنفقت. فوق ذلك سوف ينقطع حبل السرة بين طهران والضاحية الجنوبية في بيروت، مقر حزب الله السياسي، الذي سوف يصعب عليه الحصول على التمويل اللوجيستي من الممر الدمشقي، مما يضطره للجوء إلى خطوط إمدادات طويلة قد تتعرض للانقطاع. تركيا من جهة أخرى سوف تنظر إلى التغيير في سورية (إن حدث) بعين الريبة، حيث إن تصفير المشكلات السورية - التركية في السنوات القليلة الماضية جاء على حساب مصالح سورية حيوية، منها الاستخدام العادل للمياه، على سبيل المثال لا الحصر.

على الرغم من أن التغيير في مصر قد يقود إلى خلخلة في العلاقات المصرية - الإسرائيلية، فإنها خلخلة قابلة للضبط، حيث إن بيضة القبان (حتى الآن) في مصر الجيش، الذي يعرف أهمية الإبقاء على الاتفاقات الدولية مع إسرائيل، وبالكثير سوف يسعى النظام المصري الجديد إلى تحسين شروطها. في الحالة السورية، أي تغيير قد يصيب الوضع المجمد مع إسرائيل بحراك ما لا تستحسنه إسرائيل أو القوى الغربية الفاعلة المساندة لها، ولا يستطيع أحد الآن أن يتوقع نتائجه، كما سوف تتأثر تركيبة التشبيك السياسي الإقليمي. إنما السؤال الأهم حتى الآن هو: ماذا يمكن أن يتطور عليه الوضع في سورية جماهيريا؟ هل يمكن الركون إلى تحجيم الحراك الشعبي بشيء من الإصلاحات؟ أو بشيء من القوة الفظة؟ في حالات عربية أخرى، قُدمت إصلاحات، إلا أن القوى المتحركة في الكتلة التي كانت صامتة لم ترضها تلك الإصلاحات، التي وُصفت بأنها قليلة ومتأخرة، ولم تعط نتائج ملموسة على الأرض، كما أن التيار الشعبي أثبت عدم القدرة على التكهن بحراكه في هذا الوباء الذي يجتاح المناطق العربية من أقصاها إلى أقصاها، خاصة في ضوء انتقال المعلومات السريع، وأيضا مع مشاهدة الشعب السوري لما تحقق في بعض مناطق الثقل العربي، وخاصة مصر، من إصلاحات ملموسة.

الحراك السوري تأثيره لن يبقى داخليا (كما معظم الحراك العربي)، بل له تأثيرات إقليمية قد تكون أكبر بكثير من ردات الفعل التي صاحبت الهزات السياسية التي حدثت حتى الآن.

آخر الكلام:

في حديث مع صحافي بريطاني صديق زار الكويت أخيرا، عرج الحديث على معاملة الحكومة البريطانية للاحتجاجات الأخيرة في لندن، قال: لقد لاحظنا أن الشرطة استخدمت أقل ما يمكن من التصدي للمتظاهرين، على غير ما حدث قبل أشهر، لأن عينها على الانتقادات الدولية.. أبشروا يا عرب لقد أثرتم في بريطانيا أيضا!