خطة السلام العربية ـ الإسرائيلية القادمة

TT

برفضه الانتقادات التي وجهت إليه بشأن قراراته تجاه ليبيا، حدد الرئيس أوباما الليلة الماضية معيار العمل المشترك قائلا: «قد يفرض التاريخ علينا في بعض الأوقات تحديا يهدد وجودنا وأمننا المشترك. والقيادة الحقيقية تخلق ظروفا وتحالفات للآخرين للانضمام إليها أيضا، ليتأكدوا من أن أساس العدالة والكرامة الإنسانية محترم من الجميع. وإذا ما كان علينا التحرك، فلنتحرك حيث نستطيع أن نعمل معا».

حصل الرئيس أوباما على تفويض من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وعمل مع الاتحاد الأوروبي على ضم جامعة الدول العربية، وحصل على دعم قادة دول مجموعة العشرين. ولم تحل قيادته، باختصار، المد ضد حاكم عربي طاغية فحسب، لكنها خلقت نموذجا للدولة في المنطقة ككل.

هذا النموذج لديه الآن مهمة أكثر أهمية، وهو أن على الرئيس أوباما - وهو قادر على ذلك - أن يقود اللجنة الرباعية (الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وأميركا وروسيا) في تقديم نموذج للسلام العربي - الإسرائيلي. فمهما حدث في ليبيا لن تبدو أميركا نصيرا للديمقراطية في العالم العربي إذا ما استمرت في الظهور بمظهر غير المكترث لاحتلال فلسطين.

لقد أوضح الرئيس أوباما في كلمته في القاهرة أن الدولة الفلسطينية ليست شأنا إسرائيليا داخليا، كما أن أمن إسرائيل ليس مسؤولية إسرائيل وحدها، وهو يعلم أن فرص نجاح أي محادثات سلام ثنائية بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لن تسفر عن تحقيق تقدم. وهو يعلم جيدا ما يمكن أن تسفر عنه مفاوضات النوايا الحسنة.

فعلى سبيل المثال عقد عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت منذ بداية عام 2007 وحتى سبتمبر (أيلول) 2008، 36 اجتماعا وكان الموضوع الرئيسي في هذه الاجتماعات محاولة التوصل إلى اتفاق كالذي أفرزته محادثات كل من طابا وجنيف.

وأذكر أنني التقيت في أواخر يناير (كانون الثاني) كلا الزعيمين وبينت ما أنجزوه في مقال بمجلة «نيويورك تايمز صنداي» أشرت فيه إلى الاتفاقات الرئيسية بشأن الأمن والأرض مقابل السلام اعتمادا على حدود 1967، إلا أن أرض قضايا فلسطين المقدسة واللاجئين تركت فجوات صغيرة نسبيا تمثلت في الاختلاف بشأن مصير ثلاث مستعمرات كبيرة وعدد اللاجئين الذين سيسمح لهم بالعودة إلى الأراضي الإسرائيلية.

سيعلن مخطط الرئيس أوباما عن موقف أميركا حول كيفية سد هذه الثغرات. وسيضع في اعتباره التلاحم الاقتصادي والجوار للدولة الفلسطينية والإسرائيلية والمخاوف الأمنية الفلسطينية والإسرائيلية، ويقدم ضمانات وحوافز من المجتمع الدولي، ومن دون مخطط من هذا النوع يوضع بعناية، فإن الدعاوى للاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية داخل حدود عام 1967 ستصبح بلا معنى.

ما الذي يعوق الرئيس؟ البعض يقول إن على الإسرائيليين والفلسطينيين التوصل إلى اتفاق بأنفسهم، ويقولون إن نتنياهو سيرفض أي مخطط من هذا النوع، وإن الإسرائيليين يميلون بشكل عام تجاه اليمين، أما عباس، من جانبه، فربما لا يكون تلك الشخصية الكاريزمية القادرة على تطبيق أي اتفاق، حتى وإن كان اتفاقا ضخما يكون هو مسؤولا عن وضعه. ولذا هل ينبغي على الرئيس أوباما أن يقدم مقترحا ويهيئ نفسه لفشل دبلوماسي؟

مثل هذا الرأي يشير إلى سياسة خارجية سيئة التوجيه. ولذا ينبغي ألا يهدف مخطط أوباما إلى حمل جميع الأطراف على الموافقة على القرار، بل إلى موافقة جميع القوى العالمية، وبعد طرح أوباما خطته أمام اللجنة الرباعية، يجب عليه السعي إلى موافقة قادة لجنة التعاون الاقتصادي والتنمية الأوروبية واحدا تلو الآخر، (وقد حكى لي دبلوماسيون في تل أبيب أن وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون تنتظر مجرد كلمة من واشنطن).

كما ينبغي أيضا أن يعلن مخطط أوباما في إطار روح مبادرة الجامعة العربية لعام 2002. وينبغي أن يوافق عليه أولا قادة مجلس الشيوخ الأميركي مثل جون كيري رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالمجلس.

ولبلورة إجماع دولي بشأن الصورة التي ينبغي أن تبدو عليها عملية السلام، سيخلق المخطط ضغطا من جميع الجهات على جميع الأطراف، وستبدأ محادثات دولية جديدة ربما تسفر عن قرارات حاسمة مثل قرار التقسيم الذي أصدرته الأمم المتحدة عام 1947.

سيكون ذلك إشارة إلى الشباب الفلسطيني بأن الدول المدعومة عالميا تلوح في الأفق، حقا، وأنه في السعي إلى الوحدة بين فتح وحماس يمكنهم فعليا تمكين السلطة الفلسطينية من الدخول في اتفاقات دولية واحترام دعوة عباس إلى نبذ العنف السياسي والتخلي عن الإرهاب.

وسيكون للمخطط آثاره الواضحة على السياسات الإسرائيلية أيضا، وسيمكن الأحزاب الإسرائيلية المعتدلة - كديما والعمل وباقي الأحزاب المعتدلة - من استعادة مراكز السلطة من الأحزاب الداعية إلى إقامة إسرائيل الكبرى - حزب الليكود التابع لنتنياهو والأحزاب القومية التي ينتمي إليها ليبرمان والأحزاب الدينية الأخرى التي تتبع خطا مماثلا.

مركز صنع القرار الإسرائيلي - مؤلف من المهاجرين الروس، واليهود المزراحي غير الأرثوذكس، والشباب المقرب من الجيش - تقوده المخاوف بقدر ما تحدوه الآمال. وككل الناخبين المستقلين في الولايات المتحدة ربما يهرعون إلى تجنب ما تصوره وسائل الإعلام بالسذاجة وبالتالي يميلون على نحو خطر إلى مواجهة التيار. المخطط المدعوم من قبل الجميع بدءا من المستشارة أنجيلا ميركل إلى رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ سيسمح للمنفتحين على العالم أن يؤكدوا على أن الماضي لن يعود، وأن الوضع في غزة يجب أن يتغير، وسيكونون هم وحدهم القادرين على إقامة علاقات مع واشنطن وإنقاذ إسرائيل من العزلة الدولية. والرئيس أوباما قادر على قيادة الرأي العام الدولي إلى إسرائيل عبر زيارة القدس ورام الله وربما الحديث إلى الحشود المتجمعة في تل أبيب قلب العولمة الإسرائيلية.

ربما تكون هناك بعض المخاطر، ولعل فيما كتبه مكيافيللي فائدة عندما قال إن على القادة العظام أن يكونوا على استعداد لأن يكونوا مرهوبي الجانب بقدر ما يكونون محبوبين. وينبغي على الرئيس أوباما أن يواصل جهوده بجعل الرأي العالمي مرهوب الجانب. لكن إذا فوت هذه الفرصة، في انتهاج مسار سياسي آمن، فسيخسر المعتدلون في كلا الجانبين.

الوضع الراهن يعني المزيد من التسويات، وسجل أميركي مثير للشفقة من المحاولات لعرقلتها. ما هو أسوأ من ذلك يعني أن العنف سيشبه ما يحدث في البلقان والذي تنخرط فيه الأطراف، فمع كل قنبلة أو صاروخ من فلسطين ومع كل عملية اغتيال يقوم بها الجيش الإسرائيلي أو قصف متهور غير محسوب سوف يدفع المزيد من المعتدلين إلى التطرف. وقد أخبرني عباس أنه سيقدم استقالته إذا لم يتم إحراز أي تقدم ملموس بحلول شهر سبتمبر. كذلك سيخسر أوباما. فبدلا من أن يصبح رجل الدولة في المنطقة وصاحب خطة مدعومة من القوى العظمى، سيخوض انتخابات الرئاسة مستعديا ومستبعدا للعالم العربي دون أن يرسل تطمينات إلى الدوائر الأميركية التي تدعم حكومة نتنياهو.

واختتم الرئيس أوباما حديثه بقوله إن على أميركا «دعم الحقوق العالمية التي تتضمن حرية الأفراد في التعبير عن أنفسهم واختيار زعمائهم.. والحكومات التي تستجيب لتطلعات شعوبها في النهاية». وليس لدى أوباما الكثير من الوقت.

* خدمة «نيويورك تايمز»