التنظيم المدني

TT

يقول استفتاء حديث إن 60 في المائة من العرب يصدقون أخبار التلفزيون و19 في المائة يثقون بأخبار الصحافة. ربما كان العامل في ذلك أن الخبر التلفزيوني مرفق بالصورة. ولعل الظاهرة الثانية، أو الموازية، بعد عربة محمد بو عزيزي، هو دور الإعلام في العالم العربي، مرئيا ومذاعا ومكتوبا. المواقع، يقول الاستفتاء، ليس لها نفس التأثير أو المصداقية.

كل الأنظمة المعنية هاجمت الفضائيات. وفي الماضي كانت تهم الأنظمة تساق فورا إلى «العربية»، لكن هذه المرة خُصت «الجزيرة» بالنقد الأكبر في طرابلس وصنعاء ودمشق، طبعا بعد تونس. واللافت للنظر أكثر من أي أمر متوقع، هو النهج الذي اتخذته إذاعة «بي. بي. سي» بالعربية. فهذه الإذاعة التي كان مذيعوها في الماضي يدورون زوايا الكلام للتأكيد على الاستقلالية والموضوعية، شرعت الآن كل موجاتها العاملة وأثيرها العالمي، لاستضافة المحتجين والمعترضين. وعلى الرغم من الإفساح في المجال أمام مختلف التيارات، بدا واضحا جدا أن الإذاعة - أو معظم مذيعيها على الأقل - تتعاطف مع تيار المصارحة والاعتراض.

وبثت الإذاعة بيانات لبعض المستمعين المشاركين في البرامج، تتجاوز بعيدا جدا ما عرف عنها في الماضي من تحفظ وهدوء. بل كان العقل العربي يعتقد أنها تتضمن في هدوئها سياسات وأفكارا تخدم «مصالح الإنجليز».

لا أعرف ما هو سبب القرار وراء الصيغة الجديدة لـ«بي. بي. سي» التي تظل أكثر الإذاعات حرفية ومصداقية باللغة العربية. على أن الأرجح هو أنها لم ترد أن تبدو متخلفة عن هذا المد التغييري الهائل، الذي هو في الجزء الأكبر منه، أكبر ظاهرة على مدى تأثير سلاح الإعلام، خاصة المرئي. وقد كتبت «نيويورك ريفيو أوف بوكس»، ربما أهم المجلات الأدبية، أن القيادة الصينية شعرت بخوف شديد من انعكاس المد العربي على شبابها، وراحت تراقب حركة الإنترنت و«فيس بوك» وتراقب الحركة العربية وأثرها في وقت واحد. بل قيل إن بريطانيا نفسها خافت أن تواجه مؤسساتها الديمقراطية التاريخية، تحول التظاهرات المألوفة إلى مد من هذا النوع.

لكن مَن صنع هذه الحركات في الأساس؟ لا التلفزيون ولا «فيس بوك». بل هي مدينة بـ 32 عاما من حكم زين العابدين بن علي و33 عاما من علي عبد الله صالح، الذي كلما قرأ يافطة تدعوه إلى الرحيل دفع مليون إنسان إلى ساحات تعز وصنعاء. وإن دل هذا على شيء فعلى حسن الهندسة والتنظيم المدني في اليمن.