الاحتياط الفيدرالي وإنقاذ مصارف العالم

TT

في أغسطس (آب) من عام 2007 وبينما كانت الأسواق المالية العالمية عاجزة عن العمل، بدأت مصارف أجنبية ومحلية تتراص في شكل صفوف من أجل الحصول على أموال نقدية من المصرف الاحتياطي الفيدرالي داخل نيويورك.

وفي 20 من أغسطس من ذلك العام، اقترض مصرف «كومرزبنك» الألماني 350 مليون دولار، مستفيدا من الخدمة التي تمكن المؤسسات المالية المؤهلة من الحصول على قرض من المصرف المركزي لتغطية عجز في السيولة لديها. وبعد يومين من ذلك، حصل كل من «سيتي غروب» و«جي بي مروغان تشيز» و«بنك أوف أميركا» و«ووتشوفيا كوربوريشن» على 500 مليون دولار لكل منها. وكضمان لجميع هذه القروض، وضع البنك إجمالي 213 مليار دولار في صورة أوراق مالية مدعومة بأصول وقروض تجارية ورهون عقارية سكنية، بما في ذلك الرهون المنقولة من الدرجة الثانية.

وبذلك بدأ سباق البنوك الذي أشعل الأزمة المالية في عام 2008. ولكن على عكس السباقات الأخرى، لم يكن ذلك ظاهرا أمام معظم الأميركيين.

وظل الوضع على هذه الحال حتى الأسبوع الماضي عندما كشف الاحتياطي الفيدرالي النقاب عن الأمر. وفي استجابة لحكم محكمة، نشر الاحتياطي الفيدرالي الآلاف من الصفحات الخاصة بوثائق إقراض سرية تعود إلى فترة الأزمة.

وجاءت البيانات عقب دعوى قضائية رفعها مارك بيتمان، وهو صحافي في «بلومبرغ نيوز» مات في نوفمبر (تشرين الثاني) 2009. وبعد استلام طلبه من أجل الاطلاع على تفاصيل عن عمليات إقراض المصرف المركزي، قال الاحتياطي الفيدرالي إن الجمهور ليس له حق في معرفة ذلك. ولكن لم توافق المحاكم على ذلك.

وتكشف وثائق الاحتياطي الفيدرالي، كما هو الحال مع الكثير من المعلومات عن الأزمة التي جاءت من هيئات حكومية مترددة، ما كان يحدث من وراء الحجب خلال العاصفة المالية. وعلى سبيل المثال، أظهرت الوثائق مدى كآبة الأزمة المصرفية خلال صيف 2007. وفي هذه الأثناء كان صانعو السياسات في واشنطن يقولون إن أزمة الديون المحفوفة بالمخاطر سوف تنتهي ولن يكون لها أثر كبير على الاقتصاد الأعم وأن الأسواق العالمية كانت سائلة بدرجة كبيرة.

وعلى سبيل المثال، قال وزير الخزانة الأميركية في ذلك الوقت هنري بولسون في 23 يوليو (تموز) 2007، إن أزمة الإسكان بدت «في القاع أو بالقرب منه». وبعد يومين أعلن رئيس المصرف الاحتياطي في نيويورك حينها تيموثي غايتنر في كلمة له أمام منتدى القيادة العالمية في واشنطن: «الأسواق المالية خارج الولايات المتحدة أكثر عمقا وسيولة في الوقت الحالي بالمقارنة مع ما اعتادت عليه، مما يجعل من السهل بدرجة أكبر على الشركات أن تجمع رأس المال محليا بتكلفة معقولة».

ولكن خلال نحو شهر، بدأت مصارف أجنبية في التجمع أمام الاحتياطي الفيدرالي من أجل الحصول على القروض القصيرة الأجل التي يقدمها المصرف المركزي للمصارف المؤهلة. وخلال أربعة أيام في أواخر أغسطس (آب) ومطلع سبتمبر (أيلول)، حصلت مؤسسات مالية عبر أفرع نيويورك على إجمالي قرابة 1.7 مليار دولار في صورة قروض من الاحتياطي الفيدرالي.

ومع تطور السباق العالمي، رفعت المصارف من مقدار استدانتها، بحسب ما تظهره الوثائق. وعلى سبيل المثال فإنه في 12 سبتمبر (أيلول) 2007 اتجه «سيتي بنك» إلى الاحتياطي الفيدرالي داخل نيويورك. وحصل على 3.375 مليار دولار نقدا في مقابل أصول قيمتها 23 مليار دولار، بما في ذلك أوراق مالية مدعومة بالرهن العقاري التجاري ورهون سكنية وقروض تجارية.

وبدا أن هذه العملية جذبت انتباه الاحتياطي الفيدرالي. وفي الساعة الواحدة والنصف من ظهيرة هذا اليوم، قضى غايتنر نصف ساعة على التليفون مع غاري غريتندن، المسؤول المالي الرئيس لدى «سيتي» في ذلك الوقت، وذلك بحسب ما يظهر في دفتر مواعيد غايتنر. وبعد أسابيع قليلة أعلنت «سيتي غروب» أنها أسقطت 5.9 مليار دولار في الربع الثالث، مما تسبب في تراجع أرباحها إلى 60 في المائة بالمقارنة مع عام سابق - وكانت هذه مجرد بداية.

وربما كان الكشف الأكبر في وثائق الاحتياطي الفيدرالي هي مدى استعداد المصرف المركزي لإقراض المؤسسات الأجنبية، ففي 8 نوفمبر (تشرين الثاني) 2007، أخذ «دويتش بنك» قرض ليلة واحدة قيمته 2.4 مليار دولار مضمونا بـ4 مليارات دولار. وفي 5 ديسمبر (كانون الأول) 2007، اقترض «كليون» الفرنسي ملياري دولار، وقدم 16 مليار دولار في صورة ضمان.

وعندما اكتملت أركان الأزمة في 2008، أصبحت مؤسسات أجنبية مستفيدة أكبر من برامج الائتمان التابعة للاحتياطي الفيدرالي. وفي 4 نوفمبر (تشرين الثاني) من ذلك العام، قدم الاحتياطي الفيدرالي 133 مليار دولار عبر تسهيلات متنوعة. وحصلت مؤسستان أجنبيتان - بنك «ديفا» الألماني الآيرلندي وبنك «ديكسيا كريدت» البلجيكي - على 39 في المائة من الأموال في ذلك اليوم.

ويقول ووكر تود، وهو زميل بحثي في المعهد الأميركي للأبحاث الاقتصادية ومساعد المحامي العام السابق ومسؤول البحث في المصرف الاحتياطي الفيدرالي داخل كليفلاند: «كان الشيء المفاجئ هو الكمية الكبيرة من القروض التي قبلها المصرف الاحتياطي الفيدرالي داخل نيويورك في الأزمة من مصارف أوروبية لها وجود بسيط داخل الولايات المتحدة، ويقال إنها لا تمثل تهديدا لنظام الدفع داخل الولايات المتحدة».

وقد تمت استعادة كافة القروض القصيرة الأجل التي حصلت عليها المؤسسات خلال الانهيار. ولكن تأكد بذلك سابقة، حيث أصبح الاحتياطي الفيدرالي بمثابة المصد الخلفي للعالم.

ومنذ عام 2000 أو نحو ذلك، كانت العقلية داخل الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك وواشنطن أنه يجب على المصرف المركزي أن يتدخل عندما تكون هناك أزمة عالمية، بحسب ما قاله تود، حتى لو بدا أنه بذلك يتجاوز تفويضه.

وبدا أن رئيس الاحتياطي الفيدرالي، بن برنانكي، توقع هذا الأمر في وقت سابق من الأزمة. وفي حديثه أمام حلقة نقاشية سنوية في جاكسون هول بوايومنغ في 17 أغسطس (آب) 2007، قال برنانكي: «ليست مسؤولية الاحتياطي الفيدرالي - ولن يكون مناسبا - أن يحمي المقترضين والمستثمرين من تبعات قراراتهم الاقتصادية. ولكن التطورات داخل الأسواق المالية قد تكون لها تأثيرات اقتصادية واسعة يشعر بها الكثيرون خارج الأسواق. ويجب أن يضع الاحتياطي الفيدرالي هذه الآثار في عين الاعتبار عندما يحدد سياسته».

وبالتحديد كانت حماية المستثمرين المقترضين العالميين من آثار قراراتهم المالية هو ما قرر الاحتياطي الفيدرالي أن عليه القيام به. وكان المصرفيون والمستثمرون المستفيدون من هذه الهدية يعلمون كيف أن الاحتياطي الفيدرالي أنقذهم في وقت الحاجة. والآن بفضل وثائق الاحتياطي الفيدرالي هذه، يمكن للباقين منا التعرف على ذلك أيضا.

* خدمة «نيويورك تايمز»