خاطرة

TT

مهما بلغت عواطفنا ومشاعرنا من الصدق، فنحن أعجز من أن نضع أنفسنا مكان المصري أو التونسي أو اليمني. ومهما بلغت حدود المشاركة، في الفرح أو في المعاناة، لا أحد يبلغ الخصوصية الكلية للآخر. لا أحد يمكنه أن يدرك مشاعر الغضب والخوف والمهانة التي خامرت المصاب الليبي، وهو ينقل إلى تونس للعلاج. ليس فقط لأن حاكمه لم يبن له مستشفى لائقا طوال أربعين عاما، بل هو يطلق عليه النار ويبقره ويكسر ذراعه اليمنى ويترك له فقط اليد اليسرى يرسم بها شارة النصر والتحدي.

أتساءل، بعد التوضيح، إن كان من الضروري مثول الرئيس السابق حسني مبارك، أمام هيئة قضائية، بصرف النظر عن صلاحياتها واختصاصها. فالرجل (وعائلته) سوف تصادر أمواله، في الخارج والداخل. ومعظم أركان عهده أحيلوا إلى المحاكمة، جرمية ومالية. فهل من الضروري أن يرى العالم رئيس مصر واقفا خلف القضبان، وهو مريض تعدى الثمانين؟ سؤال: إذا لم يحاكم كيف نحقق العدالة لمصر؟ كيف نعطي الأمثولة الرادعة للرئيس المقبل؟

لا أدري. لكنني، شخصيا، لا أتقبل رؤية رئيس مصر في قفص، إلا إذا كان ملاحقا بتهم الإبادة والقتل واغتيال معارضيه ومطاردتهم في بلدان العالم مثل «الكلاب الضالة» أو الجرذان. أما حسني مبارك فقد أمضى ثلاثين عاما يحاور زعماء العالم باسم مصر، ويحضر قمم الأرض باسم مصر. وربما كان نصف السنوات الثلاثين زورا، لكنه كان يحمل لقب الرئيس المصري، من دون اعتراض في مصر. ولما خرج المصريون يعترضون، حاول التملص قليلا، لكنه تنحى وبقي في مصر ينتظر التداعيات.

قد أكون مخطئا، لكنه مجرد رأي شخصي. فثمة من يقاضي الرئيس السابق الآن بأنه تآمر لاغتيال السادات. ولا أحد منا يملك دليلا على ذلك أو على نقيضه. لكنها تهمة ثأرية ومضحكة. ولعل أكثر من ضحك لها عبود الزمر الذي خرج من السجن مقررا أن يعفي المصريين من واجب انتخابه في معركة الرئاسة المقبلة. فقد صرحت زوجته بأنه تقدم في العمر ولم يعد راغبا في ذلك. أريد أن أقول إننا حريصون على صورة مصر. فإذا كانت هناك تهمة وطنية لا تعود الرئاسة حصانة. وأما المحاسبة على الأخطاء والنزعات الشخصية ومظاهر الضعف البشري والفساد، فسوف تتولى صحف مصر ويتولى كتابها ذلك.

تشكل المحاكمات نوعا من الاعتذار للشعوب على الأخطاء التي ارتكبت في حقها. ومحاكمات الفساد تعيد شيئا من أموال الدولة إليها. وعلى المسؤول أن يتحمل مسؤوليته، يوم يحملها ويوم يعفى منها. وما نزل بالرئيس مبارك حتى الآن أهم من أي حكم قضائي. وربما أفضل لمصر أن يدخل التاريخ متهما لا مدانا أيضا.