الشباب في متاهة

TT

انحصر مطلب الشبيبة في مصر وتونس في كلمة واحدة: «ارحل!» ورحل النظام، فماذا بعد؟ يواجه الشباب هذه المشكلة. لقد أثبت تاريخ الثورات أن مرحلة ما بعد الثورة هي دائما أصعب من مرحلة القيام بها. توسع المطلب الآن إلى أهداف أكثر طموحا. القضاء على البطالة والفقر والفساد والأمية. نشر التعليم. توفير الضمان الاجتماعي. احترام حقوق الإنسان. إقامة الديمقراطية. هذه كلها شعارات لا توجد حكومة أو منظمة في العالم، بما فيها الأنظمة البائدة، لا تؤمن بها. الحكاية هي كيف تحققها؟ وما هي جدية العمل لتحقيقها؟

هل أعطى الشباب مساحة للتفكير في هذه المعضلات الشائكة؟ وإذا كانت لديهم أفكار بشأنها، فمن سينوب عنهم في السعي لها وتحقيقها؟ وهذه نقطة مهمة جدا بالنسبة لكل هؤلاء الشباب الذين خاضوا معركة ساحة التحرير وانتفاضة الياسمين. ففشلهم سيعرض الحركة الشبابية للموت ويجعل الناس ينظرون إليها كحركة غوغائية هدامة لا تعرف غير الاعتراض والمشاكسة وإسقاط الحكومات ثم إصابة البلاد بأضرار اقتصادية كبيرة.

تحقيق تلك المطالب الطموحة ليس بالأمر السهل ودونه خرط القتاد. ولا أعتقد أن أحدا من الشبيبة في سن المراهقة والفتوة لديه فكرة مكتملة في هذا الشأن. أخطر شيء الآن هو أن يتمادى الشباب في الاعتراض والتظاهر والإضرابات كلما أزعجهم شيء. لقد انتهى الدور السلبي في إسقاط النظام الفاسد. دخلت البلاد الآن في مرحلة الإصلاح والبناء. وهذا يتطلب الاستقرار والهدوء. عليهم أن يتذكروا أيضا أنهم لا يشكلون من الشعب غير شريحة محدودة. هناك مواطنون آخرون، مسنون وشيوخ وكسبة وأصحاب عوائل وأطفال ومرضى لهم حقوقهم ومصالحهم.

أعتقد أن هناك ضرورة لتجمع الحركة الشبابية حول حزب أو منظمة أو هيئة، تتبنى طموحاتهم وأفكارهم ويتفاعلون معها في حوارات دائبة. يدعمونها بعضلاتهم النضالية وحناجرهم الداوية في حين تغذيهم بأفكارها العملية الناضجة.

مشكلة الشباب اليوم أن مطالبهم الآنية لا يمكن حلها بشخطة قلم. معظم مطالبنا الوطنية الآن تدخل في نطاق المدى البعيد وتتطلب شجاعة كبيرة، بعيدا عن الفكر الضبابي والظلامي. وعلينا الصبر. ترتبط مشكلة الفقر والبطالة في مصر مثلا بكثافة السكان والنسبة العالية من التكاثر. هذه مشكلة على الشبيبة أن يواجهوها بشجاعة وجرأة وأن يتوصلوا إلى العلاج المناسب لها ويفرضوه على المسؤولين.

لا توجد دولة تهدد سيادة مصر أو تونس أو ليبيا. الحقيقة هي أنه لا توجد دولة عربية الآن معرضة لتهديد عسكري من دول الجوار. وارتبطت مصر بمعاهدة سلام مع إسرائيل تضمن أميركا دوامها. ولا يوجد من يفكر في مغامرة عسكرية أخرى في هذا الاتجاه. لا يتطلب ضمان الأمن الداخلي غير قدر وجيز من كل هذه القوات العسكرية والجوية الضاربة. بيع الكثير من هذه المعدات وتخفيض الميزانية العسكرية تدريجيا سيفتح الباب للمشاريع المدنية المنتجة. وأمثال هذا من الأفكار العملية هو ما ينبغي على الشبيبة دراسته وتبنيه.