قابلت رجلا حكيما!

TT

لي قريب شجاع. لأنه يعيش في دولة كوستاريكا. ربما كانت أصغر جمهورية في العالم. والتقينا بالصدفة بعد ثلاثين عاما عاشها في هذه الدولة الاستوائية. ووجدته في صحة جيدة. فإذا ضحك اهتز كله. وإذا غضب أيضا. ولكن ليس في حياته حزن: لا زوجة ولا أولاد ولا ديون. ولكن كيف ذهب بعيدا؟ الجواب: لا فلسفة ولا كلمة وإنما هي الصدفة. فقد كان يعمل على إحدى البواخر الإيطالية. كانت زوجته الأولى إيطالية. وانتقل من سفينة إلى سفينة. فأمضى من عمره عشر سنوات في البحر.. واعتاد على هذه الحياة من الأمواج والعواصف. ولم يعد يلمس الأرض إلا قليلا. ولم يفكر في أن يستقر.. ويسعده أن يترك غرفته ويقف على ظهر السفينة. ومن عاداته التي كسبها من البحر أن يربط نفسه بالحبال في الأسوار الحديدية ويستمتع بلعبة العواصف ويدفعه الموج إلى فوق وإلى تحت ساعة وساعات.. يقول ولكن يغلبه النوم.

ولما استشعر الغربة قرر أن يترك البحار إلى الجبال. واختار كوستاريكا، أو هي التي اختارته. والبلاد جبال. وفي الجبال وفي وديانها يعيش أبناء البلاد والمخلطون، ويسمونهم الميتزو. ويرونه من هذه الفئة. فهو ليس أبيض ولا أسود، ولكن فيه بعض الملامح الزنجية؛ فالأنف كبير وعينان واسعتان وأذنان كبيرتان..

وسألت: إنه إذن الحب الكبير؟

قال: الحب لا يهب الإنسان الاستقرار..

قلت: المال؟

قال: جمعت منه الكثير ولم أعد أتكالب عليه. وإنما أعيش عليه.

قلت: لعله الهرب.. لعلها الغربة في البحر أدت إلى الغربة في البر.. أو هو سوء الظن بالناس في بلادنا.

قال: لا تنس أنني لم أكمل تعليمي وليست عندي مثل هذه الفلسفة.. وإنما أردت أن أعيش وأردت أن تكون حياتي هادئة.. ثم إنه لا حياة لي في مصر.. أبي مات وأمي وكل إخوتي وعماتي وخالاتي. وليس عندي استعداد أن أبحث عن بدائل لكل هذا الذي فقدت. ثم قال يمكن أن أجد بديلا أو بديلة عن أمي وأبي.