«الآباء المؤسسون» غير المحتملين لمصر

TT

القاهرة - هم يشكلون ثلاثيا غير محتمل «للآباء المؤسسين» بمصر الجديدة: الأول سياسي ماكر من المدرسة القديمة، والثاني عالم متحفظ قليل الكلام حائز جائزة نوبل للسلام، أما الثالث، فهو قطب بارز في عالم الأعمال ويتميز بأنه عملي. لكنهم يظهرون على السطح بوصفهم أبرز الأصوات السياسية في الدولة، ومن المدهش، أنه تجمعهم آراء واحدة حول انتقال مصر إلى مرحلة إرساء الديمقراطية.

الشخصيات الثلاث البارزة هي عمرو موسى، وزير الخارجية الأسبق والأمين العام لجامعة الدول العربية؛ ومحمد البرادعي، المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، ونجيب ساويرس، الرئيس التنفيذي لشركة «أوراسكوم»، الشركة العملاقة في مجال الاتصالات والتي تعد أكبر الشركات الخاصة في مصر. ويصف محللون مصريون الشخصيتين الأوليين بأنهما مرشحان محتملان لرئاسة مصر، (لا يتوقع أن تكون أمام ساويرس، رجل الأعمال المسيحي، فرصة في سباق الانتخابات الرئاسية، لكنه بدأ تشكيل حزب سياسي جديد قوي). لنا أن نذكر أن هذه الشخصيات البارزة لم تصنع الثورة. فقد كانت عمل النشطاء الشباب الذين احتشدوا في ميدان التحرير وأبوا مغادرته إلى أن يتنحى الرئيس حسني مبارك. إلا أن الثلاثة لعبوا أدوارا هامة مدعمة للثورة، وكل منهم تحمل مخاطرة شخصية بالذهاب إلى الميدان ودعم المتظاهرين قبل وقت طويل من ظهور نتائج الثورة بشكل واضح.

وكمؤسسي أميركا، يواجه الثلاثة مرحلة انتقالية عنيفة للتحول إلى الديمقراطية - ويؤكد كل منهم أن الفساد السياسي الذي ولدته عقود من القمع لا يمكن القضاء عليه في ستة أشهر.

وتحدث الثلاثة بصراحة تامة في مقابلات أجريت معهم الأسبوع الماضي. ومع اختلاف جذورهم الثقافية، فإنهم عبروا عن هموم مشتركة؛ فقد أعربوا جميعا عن مخاوفهم من سعي المجلس العسكري الحاكم إلى إجراء انتخابات برلمانية وتشكيل دستور جديد بسرعة كبيرة، وحذروا من توترات متنامية بين المسلمين والمسيحيين، كما أبدوا ملاحظتهم حول تدهور الأوضاع الأمنية في الشوارع ورغبتهم في إعادة بناء جهاز الشرطة، فضلا عن أنهم قد أظهروا خوفهم من تدهور اقتصادي حاد وشيك الحدوث.

علاوة على ذلك، فقد تقاربت آراؤهم بشأن القضايا السياسية بالمثل، الأمر الذي يشير إلى ظهور إجماع في الآراء ما بعد ثورة 25 يناير. فهم جميعا يؤيدون نظام اقتصاد السوق، ولكن ذلك الذي يحمي ويقدم العون للمواطنين الذين يعيشون حالة من الفقر المدقع؛ وهم يؤيدون الحفاظ على العلاقات مع أميركا، بما فيها التعاون بين الجيشين الأميركي والمصري؛ كما يرغبون في حكومة علمانية تحمي حقوق الأفراد. وبعبارة بسيطة، هم جميعا يرغبون في أن تلحق مصر بركب القرن الواحد والعشرين كدولة ديمقراطية حديثة ومزدهرة.

ويعتبر موسى، الذي يخطط لدخول المعركة الانتخابية كمرشح مستقل، من أوائل المرشحين المحتمل نجاحهم في الانتخابات الرئاسية القادمة، وقد كان من الدائرة المقربة من الرئيس مبارك ولديه سمعته كسياسي مراوغ، وربما يجعل هذان العاملان منه قوة استقرار واستمرارية. ومن المرجح أن يلقى دعما غير معلن من قبل كثيرين في الجيش ومن بعض أعضاء حزب مبارك السياسي القديم. ويقول موسى إنه سيتولى الحكم لمدة أربع سنوات فقط، «لمجرد وضع البلاد على بداية الطريق الصحيح، بحماية كل الأساسيات وتهيئة الظروف الملائمة لتحقيق الاستقرار والإجماع العام في الرأي».

أما عن البرادعي، فهو بمثابة شخصية فاضلة بالنسبة لكثير من المصريين، ويحظى بالإعجاب على نطاق واسع نظرا لموقفه كمدير للوكالة الدولية للطاقة الذرية ضد ما تبين أنه ادعاءات أميركية كاذبة بامتلاك العراق أسلحة دمار شامل. وكان قد تم وضعه تحت الإقامة الجبرية لفترة قصيرة، بعد عودته إلى مصر في يناير (كانون الثاني) لدعم الاحتجاجات. وهو يعتزم خوض معركة الانتخابات الرئاسية بصفته مرشح الحزب الديمقراطي الاجتماعي الجديد، الذي يدعمه العديد من المثقفين ونشطاء ميدان التحرير. ويعتبر أسلوبه أحد الأسباب وراء جاذبيته، غير أن البعض يخشى من أنه ربما يكون على درجة شديدة من التحفظ على النحو الذي يصعب معه أن يحكم البلاد في هذه المرحلة المضطربة.

أما ساويرس، فهو رجل أعمال بارع أنشأ شركة «أوراسكوم» لتصبح ثامن أكبر شركة اتصالات في العالم. وفي دولة تضم العديد من رجال الأعمال الفاسدين، ينظر إليه كرجل أعمال حر وكفء. وساويرس يمتاز بالصراحة في تعبيره عن الخوف المشترك بين الثلاثة وهو احتمال أن تخطف جماعة الإخوان المسلمين وغيرها من الجماعات الإسلامية الأخرى الديمقراطية الناشئة في مصر، ويتضح ذلك في قوله: «أخشى أن يصبح لدينا نظام حكم على غرار نظام الحكم في إيران، وهذا هو خوفي الحقيقي». ويرى كل من البرادعي وموسى أن مصر تحتاج لفترة لتعلم كيفية تفعيل الديمقراطية داخلها. لذلك، دعا كلاهما إلى التصويت بـ«لا» في الاستفتاء على خطة المجلس العسكري لإجراء انتخابات سريعة ووضع دستور مؤقت. غير أن خطة المجلس العسكري، التي دعمها الإخوان المسلمون، حصلت على موافقة بنسبة 77 في المائة من الناخبين.

ويحذر البرادعي من أنه على المدى القصير «ستصبح لدينا دولة مفككة». غير أنه على غرار موسى وساويرس، يعتقد أن مصر ستنجح في إرساء الديمقراطية إذا ما منحت بعض الوقت. ويقول: «في كل مرة ينتابك فيها شعور بالإحباط، عليك أن تفكر قائلا: ما حدث هنا أمر جيد جدا، أن ترى هذا الجزء من العالم ينهض ليلحق بركب القرن الحادي والعشرين. فالأمر جدير بالمحاولة».

* خدمة «واشنطن بوست»