التحقيق مع مبارك والحقيقة المرة

TT

كان أحمد عز أول المستقبلين لجمال مبارك وأخيه علاء في سجن المزرعة، فرمقه الاثنان بغضب!! دعونا نتوقف عند هذه «الرمقة» الغاضبة، ولنترك بقية التفاصيل الهامشية. لحظة رهيبة ذات دلالات عميقة، تكاد عيناهما تنطقان لتقولا بلسان الحال لأحمد: «إنت اللي هدمت العز يا عز»، ولو قالاها بلسان المقال لصدقا. أنا لا أتصور أن الجماهير الهادرة التي احتشدت في ميدان التحرير هي الوحيدة التي أسقطت مبارك. أحمد عز وأشباه عز من الحاشية الفاسدة هم الذين يسقطون الدول ويخلخلون أساسات الأنظمة. جماهير ميدان التحرير كانوا نتيجة والسبب أحمد عز، وأمثال عز، وكل من عز عليه أن يكون نظيفا وصادقا وناصحا ومخلصا لبلاده وقادته.

حسني مبارك ذاته قالها بمرارة وهو يجيب على المحققين بأن عز وجماعته دون أن يذكرهم بالاسم «هم» الذين زودوه بمعلومات مغلوطة، و«هم» الذين ألحوا عليه بالبقاء في السلطة عندما قرر أن يتنحى في اليوم الرابع للمظاهرات، و«هم» الذين لم يكونوا أمينين في نقل الصورة حين قالوا له إن منتهى رغبات الجماهير الغاضبة في الميدان هو تشكيل وزاري جديد، فجعلوا رئيسهم أضحوكة أمام العالم وهو يأمر بتشكيل وزاري شكلي عبارة عن فتات رماه على ملايين هادرة غاضبة حانقة مقهورة تروم من مظاهراتها إصلاحات سياسية حقيقية لا رتوشات فيها ولا تزويقات. قدم عز صورة غير أمينة فكان هذا السقوط المدوي الذي آل بمبارك وآله إلى ذل التحقيق و«مرمطة» السجن ومهانته.

المشكلة الأزلية لعدد من الزعامات العربية مثل مبارك أنهم يحبون أن يستمعوا لمن ينقل لهم صورة وردية مخادعة، تماما كما كان يفعل أحمد عز، أليس عز هو الذي زين لمبارك سوء عمله بالتوريث الذي كان أحد المسامير التي دقت في نعش مبارك؟ المصيبة أن تستلذ هذه الزعامات للإطراء الكاذب وتنتشي للمديح الزائف، وأما الذي ينصح لها ويصدق معها ويقول الحقيقة ولو كانت مرة، فتهم الخيانة والتآمر وبعث الفتنة وانعدام الوطنية والارتهان للمخططات الخارجية جاهزة لإلصاقها به. بعض الزعامات العربية لا تطيق أن تسمع من أي أحد عن وجود ثقب في قاع السفينة ممكن أن يغرق السفينة بربانها وبحارتها وركابها، تعودت من أمثال عز أن يقول: «كل حاجة زي الفل».

وحتى تتضح الصورة أكثر دعونا ننتقل للمسرح السوري الأكثر سخونة هذه الأيام لنرى حقيقة وواقع من يسيء إلى النظام.. هل هي الجماهير السورية التي أخرجها للشارع عشرات السنين من الكبت والظلم والقمع الوحشي، لتطالب بتقدير إنسانيتها وكرامتها؟ أم أن الذي يسيء إلى النظام ويخلخل أساساته منظر رجال الأمن السوري قساة القلوب وهم يركلون وجوه الباحثين عن الحرية والكرامة ويدوسون على بطونهم بكل وحشية؟ أيهم أكثر نصحا للرئيس بشار الأسد، المعارض الذي يقول له كفى يا سيادة الرئيس فإن بلادنا تغرد خارج سرب الدول المتحضرة التي تعامل مواطنيها بكل رأفة وإنسانية، وإن لشعبك عليك حقا في تحقيق مطالبه؟ أم ذاك العضو في مجلس الشعب الذي رفع عقيرته عاليا بأن الرئيس لا يكفي أن يكون رئيسا لسورية ولا للدول العربية فقط بل زعيما للعالم كله؟

نحن حقا بحاجة إلى تنظيف ساحات العرب من أمثال عز حتى يكتب لنا العز، وإذا كان جمال وعلاء قد رمقا أحمد عز بغضب بعد فوات الأوان، فهناك أكثر من «عز» في دول عربية أخرى يستحق أن يرمق إليهم بغضب قبل فوات الأوان.

[email protected]