قناة تلفزيونية لا تسقط نظاما

TT

يبدو أن مسلسل وثائق «ويكيليكس» لن ينتهي، والغريب أنه كلما وقع حدث ما بدولة عربية خرجت وثيقة جديدة لترجيح كفة، أو اتجاه، وبالطبع ليس المقصود ما ينشر بإعلام حزب الله من وثائق، فتلك قصة أخرى، وإنما المقصود هو ما ينشر بالغرب.

آخر تلك الوثائق ما كشفته صحيفة «واشنطن بوست» أمس عن أن الخارجية الأميركية، في عهد بوش الابن، قد مولت قناة تلفزيونية سورية معارضة في لندن بمبلغ 6 ملايين دولار من أجل دعم تغيير النظام في سورية.. فهل يعقل أن تسقط قناة تلفزيونية، أو حتى الإعلام الجديد، نظام حكم؟ أعتقد أن هذا تبسيط شديد. فلم تسقط محطات، وليس محطة، نظام صدام حسين، كما لم تسقط محطات النظام الإيراني، وبالطبع فإن هناك من يعتقد بأن قناة «الجزيرة» القطرية، مثلا، قد أسقطت نظام مبارك، أو نظام بن علي، وهذا تسطيح أيضا، فالقنوات تستطيع ترويج أفكار، أو شن حملات، وقد تؤثر بالرأي العام، لكنها لا تسقط أنظمة، فما يسقط الأنظمة، بل ويحرك الشعوب، هو المظالم الحقيقية التي تقع بتلك الدول، وتقنع المواطن بالخروج للشارع، وتحمّل كل أشكال العنف والقمع التي قد يقابل بها من قبل الأنظمة.

فلكي تسقط الأنظمة لا بد من توافر عدة أمور مهمة ليخرج الشارع أو يثور، ومن ذلك اختلال بقواعد اللعبة، مثل انتخابات مصر البرلمانية الأخيرة، أو التوريث، وكذلك الفساد والانفراد بالسلطة في تونس، واليمن وليبيا، ناهيك عن الجمود، وعدم التطور، فجل الأنظمة التي تواجه الزلزال السياسي بمنطقتنا هي أنظمة تجمدت منذ قرابة الأربعين عاما، فنظام مبارك استمر 30 عاما، وأكثر منه الرئيس اليمني، وبالطبع الليبي، والأمر نفسه ينطبق على حزب البعث السوري، وقد يقول قائل: وماذا عن النظام الإيراني؟ الأكيد أن كل عوامل الانفجار متوافرة بطهران، وبانتظار الشرارة التي قد تقع في أي لحظة، خصوصا في ظل الصراعات بين النخب الإيرانية الحاكمة، وآخر تلك المؤشرات استقالة المسؤول الأول عن المخابرات الإيرانية، وقبول نجاد لها، ومن ثم رفضها من قبل المرشد الأعلى، الذي طلب من رئيس الاستخبارات الاستمرار بعمله، فتلك مؤشرات حقيقية على تصدع النظام الإيراني.

المراد قوله أن الإعلام يستطيع تأجيج المشاعر، وزيادة الاحتقان، أو إقناع الناس بحقائق، أو أوهام، ويستطيع أن يخلق رأيا عاما، لكنه لا يسقط نظاما، فلا بد من توافر القطرة التي تفيض بالكأس، وهي المظالم الحقيقية التي يشعر بها المواطن العادي، وليس المثقف، مع اختلال لقواعد اللعبة في المجتمع، أي مجتمع، فالشعوب لا تثور إلا عندما ينعدم الأمل. وهذا ما ينطبق على كثير من جمهورياتنا. فلو كان الإعلام، قديمه وجديده، قادرا على إسقاط أنظمة، لكان بمقدوره أيضا الإبقاء عليها، بمعنى أن الإعلام الموالي لمبارك لم يمنع الناس من الخروج للشارع، والأمر نفسه في تونس، واليمن، وسورية اليوم.

ولذا فإن ما يهم، أولا وأخيرا، هو: هل شعبك معك، ومتحد خلفك أم لا، عدا عن ذلك لا يعدو أن يكون تنظيرا.