لعنة «التيسير الكمي» وخفض الفائدة على الدولار

TT

إن جماعة الضغط في مبنى مصرف الاحتياط الفيدرالي لديها متحف للأموال، به أوراق نقدية ممزقة معبأة في أكياس تعطى كهدايا للزوار. وتشبه هذه الهدايا الحوافز المالية التي يقدمها مصرف الاحتياط الفيدرالي منذ فترة عبر سياسة التيسير الكمي وسياسة إبقاء سعر الفائدة الصفرية. إن هذا خلل مضحك، حسب آراء الشخص المسؤول، عن أحد مصارف الاحتياطي في أميركا.

ويرى توم هوينيغ، خلال عامه العشرين والأخير، كرئيس لأحد أفرع مصرف الاحتياط الفيدرالي الـ12 في أميركا، أن ما يقوم به مصرف الاحتياط الفيدرالي في الوقت الراهن أمر مزعج، حيث يتبنى المصرف هذا النهج المزعج من خلال سياستين، وهما سياسة تخفيض أسعار الفائدة وسياسة التسهيل الكمي (طبع النقود).

ومع استعادة الاقتصاد العالمي لعافيته، فمن المتوقع أن ترتفع أسعار ثلاث سلع، وهي النفط والمواد الغذائية والمال. ويشير ديفيد روزينبيرغ من «غلاسكين شيف» في تورونتو إلى أنه خلال الثلاث سنوات الماضية، قابلت 100 في المائة من زيادة قدرها 55 مليار دولار في الأجور والرواتب في الولايات المتحدة زيادة في أسعار السلع الغذائية والنفط. إنها تلتهم 22 في المائة من الرواتب والأجور، ولم يحدث ذلك سوى مرتين خلال العقدين الماضيين، وكان هناك تكهن بحدوث ركود اقتصادي في المرتين.

وبموجب سياسة التسهيل الكمي الثانية، اشترى مصرف الاحتياط الفيدرالي نحو 70 في المائة من سندات الخزانة. ما سعر الفائدة المطلوب من أجل جذب المشترين لملء الفراغ الذي خلفه انسحاب مصرف الاحتياط الفيدرالي من السوق؟ إن أسعار الفائدة هي قيمة الأموال، ويقول هوينيغ: «اذكر لي سلعة واحدة أو خدمة واحدة، أداؤها جيد بسعر أقل من سعر التكلفة». وأشار هوينيغ إلى أن سياسات منح قروض بأسعار فائدة منخفضة سبقت فترة الركود. ويقول إن معدل الفائدة الحقيقي بعد خصم التضخم كان سلبيا بنسبة 40 في المائة عنه في فترة السبعينات والسنوات التي تلت عام 2000. ويقول إنه في عام 2003، أثناء فترة رئاسة ألان غرينسبان لمصرف الاحتياط الفيدرالي، تم خفض سعر الفائدة إلى 1 في المائة بسبب ارتفاع معدل البطالة. لقد كان 6.3 في المائة، بينما وصل إلى 8.8 في المائة في أعقاب الفقاعة العقارية والتهور المالي الذي عملت الحوافز والتيسيرات على تغذيته. العام الماضي كان هوينيغ هو الصوت المعارض الوحيد في لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية التي تحدد عرض النقود وأسعار الفائدة. وصوتت اللجنة ثماني مرات على إبقاء أسعار الفائدة منخفضة، وكان هوينيغ في كل مرة الصوت الوحيد الرافض.

لقد كان في منزله في صباح يوم من أيام الأحد، عندما تلقى مكالمة هاتفية من سيدة عجوز تبلغ من العمر 85 عاما من ولاية كونكتيكت. وقالت إنها وزوجها الراحل عاشا حياة مقتصدة اعتمدا فيها على الفوائد على مدخراتهم بعد التقاعد. إن هؤلاء هم من تأثروا سلبا بسياسات تخفيض سعر الفائدة التي تسخر من أفضلية الادخار. لكن من تأثروا إيجابا بهذه السياسات هم 20 في المائة من الأميركيين الذين يمتلكون 93 في المائة من الأسهم. ومن أهداف سياسة الوصول بسعر الفائدة إلى أدنى مستوياتها تشجيع قطاعات الاقتصاد التي تتأثر بالائتمان، خاصة قطاع الإسكان. في يناير (كانون الثاني) ولسادس شهر على التوالي، تنخفض أسعار العقارات السكنية لتصل إلى المستوى الذي وصلت إليه خلال فترة الركود عام 2009. وربما يكون الهدف الأساسي من خفض معدلات الفائدة هو الأموال المتدفقة على البورصة بحثا عن عائدات أكبر. إن ما ينتج عن ذلك من ارتفاع في قيمة الأسهم سيؤدي إلى زيادة في الإنفاق، مما يجعل الأثرياء يشعرون بمزيد من الثراء، وبالتالي يتجهون إلى إنفاق واستثمار المزيد من الأموال.

يقول هوينيغ، الذي تعود جذوره إلى ولاية آيوا، إنه لم يتم حصر السوق في حدود الولايات. ويحذر مؤيدو إنهاء تدخل مصرف الاحتياط الفيدرالي من الانتباه إلى ما يتمنونه. لن ينسحب المصرف باسم إصلاح المصارف الإقليمية، مشيرا إلى أن ذلك سوف يزيد من قوة المركز المالي الذي تمثله كل من واشنطن ونيويورك في العالم.

ويتساءل عما إذا كان وضع أميركا سيتحسن إذا كانت مثل كندا التي تسيطر فيها خمسة مصارف كبرى على عملية الإقراض، وكانت إجابته أن الآلية المبتكرة التي تتبعها الولايات المتحدة ترتبط بوجود آلاف من المصارف المحلية والإقليمية تتفاعل مع الاحتياجات المحلية. ويعتقد أن أكبر تهديد يواجه الاقتصاد هو وجود مؤسسات مالية تحميها الحكومة من الانهيار لأهميتها.

ويوضح قائلا: عام 1999 سيطرت أكبر خمس مؤسسات مصرفية أميركية على أصول تقدر قيمتها بـ2.3 تريليون دولار أو ما يعادل نحو 38 في المائة من الأصول المصرفية. لكن حاليا لدى مصرف أميركا وحده القدر نفسه من الأصول. وتملك أكبر خمس مؤسسات 52 في المائة من أصول القطاع المصرفي. ويعتقد كل من الدائنين والمودعين الذين تخطت ودائعهم سقف التأمين في المؤسسات المالية التي توفر لها الحكومة الحماية من الانهيار لأهميتها أنهم لن يتعرضوا إلى أي خسارة. مع كل ذلك هل يمكن أن نعود إلى الرأسمالية؟ ويجيب هوينيغ: «ليس قبل أن أموت».

* خدمة «واشنطن بوست»