اكتشاف المكتشف

TT

هل نعلن جديدا حين نقول: إن الإعلام العربي، بعمومه، متأثر بحسابات تتجاوز موقعه المهني في مقاربته للثورات والحركات الاحتجاجية التي دارت وتدور في أكثر من بلد في المنطقة؟

طبعا لا..

مع ذلك نجد من يعلن علينا هذا الاكتشاف كل يوم، وهذا الإعلان لا يتم من موقع الحياد أو الدعوة لمقاربة شاملة وجدية لحراك الشارع، لكن من موقع المتضرر منه؛ لأنه طاله بعد أن اعتقد عكس ذلك.

الأسبوع الماضي وقعت حادثتان ثبتتا ما نعرفه عن الإعلام العربي، لكنهما أظهرتا مدى الارتباك والمأزق الذي تعيشه القنوات العربية في متابعتها للأحداث.

ظهر تسجيل لحوار دار على الهواء بين مذيع في قناة «الجزيرة» والكاتب الفلسطيني الدكتور عزمي بشارة، فُهم منه عدم رغبة بشارة بالحديث عن الأردن على النحو الذي طال فيه حديثه التحركات في سورية، كما ظهرت في الشريط نفسه انحيازات المذيع وتبعا إدارة القناة.

كانت تلك السقطة كافية لينقلب التعاطي الإعلامي السوري مع بشارة ليصبح الرجل «إسرائيليا» بعد أن كان «مفكرا كبيرا»، ومع قناة «الجزيرة» بصفتها «متآمرة» لا ضير من تسيير اعتصامات ضد مكتبها في دمشق.

تسريب آخر مقابل حدث مع قناة «المنار»، التي أحرج أحد مذيعيها، لدى إصرار ضيفه المصري على عدم الاكتفاء بالحديث عن الحراك في القاهرة، بل شمول كلامه وبنقد قاسٍ للنظام السوري، وكيفية تعامله مع المتظاهرين، وهو ما أربك المذيع إلى حد كبير وحتما أحرج إدارة القناة.

سرعان ما قوبلت الحادثتان المذكورتان بكلام كثير أقله كان إلكترونيا عن سقطات الإعلام وانحيازاته.

والحقيقة أن هذا الانحياز أمر ثبتته بقوة الثورات العربية والتحركات الاحتجاجية في أكثر من بلد، ولم يكن مفاجئا أن تتصدر المشهد قنوات مثل «بي بي سي» العربية التي أظهرت قدرة على مقاربة أحداث كل بلد من دون التأثر بالأجندات الحكومية.

قدرة «بي بي سي» لم تكن مستمدة من طاقات مهنية تفجرت على نحو مفاجئ، إنما من الارتباك الكبير الذي كابدته القنوات العربية، ويبدو أن الثورات، وعلى نحو ما هي امتحان كبير للأنظمة، هي أيضا امتحان كبير وصعب لوسائل الإعلام.

فانتقال «الجزيرة»، في أيام، من موقع قريب من النظام في دمشق إلى موقع المنحاز إلى حركة الاحتجاج عليه، ولَّد مفارقة أصابت شظاياها طرفي المعادلة بين سورية و«الجزيرة».

أصابت الخطاب الرسمي السوري عبر كشف ركاكة هذا الخطاب المنتقل من احتضان عزمي بشارة إلى المندد به، وصولا إلى درجة ابتكار مصطلح لم يسبق أن استُعمل في وسيلة إعلام، وهو إطلاق اسم «المفكر السابق» عليه.

أما الارتدادات على القناة فلا بد أنها أيضا من النوع نفسه؛ إذ إن الانتقال بين ليلة وضحاها من موقع اعتبار النظام في سورية نظاما «مقاوما» إلى اعتباره نظام قمع، لا بد أن ذلك سيطرح علامات استفهام كبيرة حول هذه السهولة في التناول.

diana@ asharqalawsat.com