.. والزنزانة لجلاديه

TT

تحولت أحداث ليبيا إلى يوميات صحافية شبه رتيبة. ودخلنا في التحليلات الصحافية الباردة كالجليد. وما من قليل يضمد جراح الضحايا أو يوصل الخبز إلى مصراتة التي يدكها الأخ قائد الثورة بيتا بيتا وشبرا شبرا، كما ورد في وعده المقدس. ونحن لا نعرف لماذا تقدمت طائرات أوباما الهجوم ثم انسحبت. ولا نعرف لماذا يتصرف الحلف الأطلسي مثل دجاجة. ولا يمكن أن نصدق أن هذا الحلف الذي أعد لمحاربة الاتحاد السوفياتي يفتقر إلى الذخيرة. ولا نفهم قول المستر كاميرون إن السبب هو محدودية قرار مجلس الأمن، فأين كانت محدوديته عندما أطلقت السفن الأميركية 110 صواريخ كروز في اليوم الأول؟

تقول واشنطن إنها تحاول أن تتدبر بلدا يقبل استقبال القذافي. وهذه ليست أحجية. ليس هناك مائة دولة مستعدة لذلك. هناك زيمبابوي التي استضافت من قبل مانغستو مريام الذي ترك في إثيوبيا مليون قتيل، وهناك فنزويلا شافيز، لكن الأخ القائد يخاف أن يتغير الوضع هناك، وهناك نيكاراغوا التي كان لسنين يدفع رواتب موظفيها ووزرائها ويرفض أن يرفع رواتب الليبيين.

في غضون ذلك تتكدس عذابات ومآسي الليبيين. ويروي المراسلون الهاربون من كتائب العقيد قصصا مريعة عما عانوه أو شاهدوه في الزنازين والسجون. وروى «مفتاح» الليبي الذي نجا من سجن الكتائب، أن جنود القذافي يقتلون الأسرى ثم يمرون فوق جثثهم بالشاحنات للتأكد من موتهم. ويكفي أن يكون المعتقل من بنغازي كخطيئة لا تغتفر. كما روى أنه شاهد في زنزانته المكتظة، أحد الجلادين يطلق النار على عضو سجين ويتركه ينزف حتى الموت أمام الجميع. والأفظع من الرصاص والنزف هو الإهانات التي يكررها بلطجية خميس القذافي وأشقائه، للسجناء والمساكين.

في بداية الأحداث كانت القاعة التي يعقد فيها الناطق باسم القذافي مؤتمراته الصحافية اليومية، مليئة بالمراسلين. والآن لم نعد نرى أمام الناطق سوى ثلاثة أو أربعة. لا يريد أحد حتى المغامرون الوقوع مرة أخرى في قانون القذافي، ولا عاد أحد يطيق الحياة في الفندق المخصص للمراسلين، وهو سجن حقيقي في أيام الهدوء فكيف في أيام الإبادة.

هل صحيح أن هذا هو التقسيم كما تقول بعض النظريات؟ هل ستؤدي السياسات الغامضة أو المشبوهة إلى ذلك؟ هل يحول بطل الوحدة العربية بلاده الموحدة إلى يوغوسلافيا أخرى؟ لا أعتقد ذلك. ولكنني لا أرى أيضا بعد كل ما حدث، كيف يمكن أن يبقى ليبي في ظل حكمه أو في ظل صاحب منظمة القذافي الإنسانية. ولا أرى كم من الوقت يستغرق ردم الهوة التي قامت بين الليبيين بسبب الممارسات الوحشية والفظاعات وأوامر الأخ القائد بشد الجرذان. هذه هي مكافأة الليبيين على 4 عقود من الصبر.