ربيع الشعوب العربية أم «بلقنة» العالم العربي!

TT

أسئلة كثيرة باتت ترتفع بعد مرور ثلاثة أشهر على «الربيع العربي»، ومنها: من سيقرر، في النهاية، مصير الشعوب والأنظمة التي ستحكمها؟ هل هي الشعوب وحدها؟ أم هي القوات المسلحة؟ أم هو مجلس الأمن؟ أم هي الدول الكبرى بتدخلها السياسي والعسكري؟ أم هي المنظمات والمؤسسات الإقليمية، كالجامعة العربية ومجلس دول الخليج والمؤتمر الإسلامي؟ أم هي وسائل الإعلام والتواصل والتوجيه والضغط المعنوي، التي بات تأثيرها مسلما به من قبل الجميع؟!

ما نراه، اليوم، من أحداث ومجابهات دامية ومداخلات، في عدة بلدان عربية، يفرض طرح هذه الأسئلة. ففي البحرين حسمت قوات مجلس التعاون الأمر.. وفي اليمن دخل مجلس التعاون على الخط لإيجاد حل لما يتخبط فيه اليمنيون من نزاع سياسي داخلي يهدد بحرب أهلية.. وفي ليبيا دخلت قوات حلف الأطلسي الجوية على الخط، كما تدخل مجلس الأمن، واتخذت الولايات المتحدة موقفا سياسيا صريحا من حكم القذافي، دون أن ترفقه بأي تدخل عسكري. أما في سورية، فإن تشابك وتضارب المواقف الإقليمية والدولية، فيما يحدث فيها، يحير العقل. وإزاء هذه «الظواهر» لا يسع الإنسان سوى أن يتساءل: من يؤيد من؟ وإلى أين تسير هذه «الثورات العربية» الجديدة؟

ولكن بانتظار الجواب، ثمة أمور أو حقائق في هذه «الهمروجة» العربية، باتت واضحة للأعين وأهمها:

1- إن الإدارة الأميركية، والدول الغربية والمجتمع الدولي أيضا، لا تستطيع من حيث المبدأ، وأمام الرأي العام في بلادها، إلا أن تقف إلى جانب الديمقراطية والحرية واحترام حقوق الإنسان، وبالتالي إلى جانب الشعوب - عربية أكانت أم غير عربية - التي تنتفض أو تناضل من أجل التخلص من حكم لا يحترم تلك المبادئ والقيم. ولكنها، في الوقت ذاته، باتت تتجنب التدخل السياسي أو العسكري المباشر بعد أن لمست فشلها في العراق وأفغانستان وغيرهما. إنما يهمها جدا، من جهة أخرى، أن لا تسفر هذه الانتفاضات الشعبية العربية عن قيام أنظمة عقائدية توتاليتارية، معلنة العداء لها، كالحكم الإيراني أو طالبان، سابقا. أما كيف توفق الدول الكبرى بين هذين الهدفين الاستراتيجيين، فالمسألة ليست سهلة. لا سيما قبيل الانتخابات الأميركية.

2- لقد بدأت الأنظمة الجديدة في مصر وتونس في تنفيذ المطالب التي رفعت الجماهير شعاراتها، أي تعديل الدساتير والقوانين وتطهير الدولة والإدارات من رجال الحكم السابق ومحاسبتهم. كما وعدت أنظمة حكم أخرى بإصلاح مؤسسات الحكم وقوانين الأمن، كما في سورية. وكانت تلك خطوات لا بد منها لإزالة مشاعر الغضب والقهر عند الشعوب المنتفضة. ولكن هذه التدابير أو الوعود الإصلاحية ليست إلا خطوات أولى وصغيرة في طريق تحقيق مطالب وأماني الشعوب العربية، وهي عريضة وواسعة الآفاق وتتجاوز، في نظر الخبراء الدوليين، المعطيات والقدرات البشرية والاقتصادية العربية. بل تتطلب ثورة فكرية وثقافية عميقة أكثر مما تتطلب من إصلاحات سياسية ودستورية.

3- ظاهرة مقلقة أخرى ألا وهي أن هذه الثورات الشعبية هي من دون قيادات سياسية أو حزبية أو شخصية بارزة. ويقول البعض إن ذلك أمر طبيعي، نظرا لطبيعة الانتفاضات الشعبية العفوية، ودور وسائل الإعلام والتواصل التي حلت محل الدبابات والبلاغ رقم واحد. وذلك أفضل من أن «يسرق الثورة» حزب أو شخص، ربما. ولكن كي يقوم الحكم الديمقراطي الجديد، رئاسيا أكان أم برلمانيا، لا بد من قيادات وأحزاب. ولا بد لهذه الأحزاب من برامج وأولويات وخيارات تعرضها على الشعب. وكل ذلك يستغرق وقتا طويلا، وربما سنوات. ومن سيحكم خلال هذه المرحلة الانتقالية؟ وما هي الخيارات السياسية والاقتصادية التي سيتخذها هذا الحكم، داخليا وعربيا ودوليا؟ لا شيء حتى الآن يؤشر أو يدل عليها. إن ما «لا تريده» الشعوب العربية معروف، ولكن «ما تريده» ليس معروفا بالضبط، وقد لا يكون هو ذاته بالنسبة لعشرين مجتمعا وطنيا واجتماعيا عربيا.

4- صحيح أن الولايات المتحدة باتت مقتنعة بسياسة عدم التدخل المباشر، عسكريا أو سياسيا، في شؤون الدول العربية. ولكن مصالحها الاستراتيجية في هذه المنطقة من العالم ما زالت تفرض عليها التزامات قد يلتقي بعضها مع أماني الشعوب العربية ولكن بعضها قد يصطدم بمشاريع أخرى في المنطقة، كالمشروع الإيراني، مثلا، الذي بات ممتدا، عبر العراق وسورية ولبنان، إلى البحر المتوسط، والذي لا يخفي تطلعاته إلى الخليج، والبحرين خاصة. كما أن إسرائيل لم تخف قلقها مما حدث من تغيير في مصر، ومن احتمالات تغييرية أخرى في دول عربية مجاورة لها. وما لم تلق الولايات المتحدة بكل ثقلها على إسرائيل لفرض مشروع للسلام عليها، فإن السياسة الخارجية والإقليمية للأنظمة العربية الجديدة أو المتجددة هي التي سوف تحكم على مسيرتها، أكثر من الإصلاحات الداخلية، لسوء الحظ.

في مطلق الأحوال، دخلت دول عربية كثيرة فيما يسمى بـ«البلقنة» أو العرقنة أو اللبننة أو الصوملة. وكثيرون هم الذين باتوا يعتقدون أن ما خرج من «قمقم» الانتفاضات الشعبية، ليس «جنيا» يلبي الأمنيات، بل إنه «مارد» لا يعرف أين يضع قدميه!!