التحدي العربي لواشنطن

TT

رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، قلق. مصدر قلقه تعبير استعمله وزير المالية المصري، سمير رضوان، في سياق تأكيده رفض بلاده قبول استثمارات إسرائيلية في مصر؛ إذ قال إن مصر «ليست في حاجة إلى استثمارات من العدو».

من الطبيعي أن يجفل نتنياهو من سماع مسؤول مصري يصف إسرائيل بـ«العدو» بعد ثلاثين سنة من زوال هذا التعبير من أبجدية الدبلوماسية المصرية وسلوكها. لذلك، لم يكن مستغربا أن يسارع إلى الاجتماع بسفراء دول المجموعة الأوروبية في إسرائيل ليعرب لهم عن قلقه من أن تصبح سياسة الحكومة المصرية الجديدة «أكثر عدائية» حيال تل أبيب، انطلاقا من اللغة الجديدة التي اتسمت بها تصريحات عدد من كبار مسؤولي وزارة الخارجية المصرية، خصوصا الشعارات التي طرحها آلاف المتظاهرين قبالة مقر السفارة الإسرائيلية في القاهرة وقنصليتها في الإسكندرية.

من حق نتنياهو أن يقلق من فقدان «صداقة» مصر بعد تنحي «صديقه» الإقليمي الأبرز، حسني مبارك، عن السلطة، وإن كان واقع علاقته مع القاهرة يظهر أنه كان صديقا حميما لحسني مبارك.. وصديقا لدودا لمصر.

مع ذلك، تبدو ملاحظة نتنياهو عن «عدائية» نظام ما بعد مبارك سابقة لأوانها ومبالغا فيها إلى حد ما، فالقاهرة أكدت بوضوح التزامها بالمعاهدات الدولية المعقودة قبل سقوط نظام حسني مبارك. كما أن استطلاعا للرأي أجرته المنظمة الدولية للسلام، ونشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، أظهر أن 60 في المائة من المصريين يؤيدون المحافظة على اتفاق السلام مع إسرائيل.. ولكن مع تأكيدهم على ضرورة قيام دولة فلسطينية مستقلة، مما يوحي بأن نتنياهو يتخوف من تخلي مصر عن دبلوماسية السكوت عن سياساته المتشددة حيال الفلسطينيين، وقطاع غزة تحديدا، أكثر من تخوفه من انقلابها على عملية السلام.

من غير المستبعد أن يكون نتنياهو عبر عن مخاوفه لدول الاتحاد الأوروبي على قاعدة «أكلمك يا جارة لتسمعي أيتها الكنّة»، كون العنوان الصحيح لرسالته ليس العواصم الأوروبية؛ بل القاهرة، وواشنطن تحديدا.

قد تكون مخاوف نتنياهو تحذيرا مبكرا للقاهرة من أن عودتها إلى دورها القومي الريادي على الساحة العربية «خط أحمر» مكلف إسرائيليا وأميركيا معا، كما توحيه ملاحظة صحيفة «هآرتس» بأن التصريحات المصرية «العدائية» تأتي في وقت طلبت فيه القاهرة «مساعدة» تل أبيب على إقناع الكونغرس الأميركي بزيادة حجم المساعدات المخصصة لمصر والاستثمارات فيها. ولا حاجة للتذكير بأن الكونغرس الأميركي «مربط خيل» اللوبي الإسرائيلي الأكثر نفوذا في الولايات المتحدة (إيباك). ولكن تحرك نتنياهو الدبلوماسي السريع يثير تساؤلات عما إذا كان بداية حملة تحريض دبلوماسية على مصر ما بعد مبارك، وبصورة أكثر تحديدا عما إذا كان محاولة مبكرة لوضع إدارة الرئيس أوباما، منذ الآن، أمام خيارين إقليميين متضاربين: التضحية بدعمها للديمقراطية المصرية الناشئة (مع ما تستتبعه من تأثير على أنظمة المنطقة العربية).. وإعادة تأكيد أولوية واشنطن شبه المطلقة للمصالح الإسرائيلية على ما عداها في الشرق الأوسط؟

من المبكر التكهن بالتوجه القومي لمصر الجديدة قبل الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في سبتمبر (أيلول) المقبل. ولكن إذا صحت استنتاجات الاستطلاع الذي نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» عن أن 50 في المائة من المصريين الذين أدلوا برأيهم فيه يؤيدون حزب الوفد العلماني مقابل 38 في المائة فقط يدعمون «الإخوان المسلمين»، يصح اعتبار فوز الأحزاب العلمانية بأكثرية مقاعد البرلمان الجديد احتمالا واقعيا.. وفرصة عربية، لا مصرية فحسب، يصعب على واشنطن تجاهلها دون التضحية بمصالحها الاستراتيجية وسمعتها الأدبية في المنطقة بعد عقود من التعامل مع الأنظمة العسكرية «المطيعة».

وعليه، قد لا يكون من المبالغة في شيء توقع أن تتحول الديمقراطية العربية الناشئة، في حال عمّت المنطقة، إلى امتحان عسير لدبلوماسية واشنطن الشرق أوسطية في القرن الحادي والعشرين.