خطأ الفلسطينيين في البحث عن إقامة دولة من خلال الأمم المتحدة

TT

خلال عملي لما يقرب من عقدين فيما يتعلق بالمفاوضات العربية الإسرائيلية كمستشارٍ ومفاوضٍ في وزارة الخارجية الأميركية، واجهت الكثير من الأفكار الغبية، بيد أن الفكرة التي يبتدعها الفلسطينيون، والخاصة بتحرك داخل الأمم المتحدة من أجل إقامة دولة فلسطينية خريف هذا العام، قد أخذت هذا الغباء إلى مستوى جديد.

ولكن لن يؤدي قرار آخر إلى تمكين الفلسطينيين من إقامة دولتهم أو حتى تقريبهم من تحقيق هذه الغاية، وستكون النتيجة عكس ما يريده الفلسطينيون، حيث سيدفع الولايات المتحدة لمعارضة جهود الفلسطينيين، ويحث الكونغرس على تقييد المساعدات اللازمة من أجل بناء المؤسسات الفلسطينية، وربما يدفع إسرائيل للقيام بأشياء حقيقية (وغبية) على أرض الواقع.

ونتيجة لإحباطهم لعدم وجود تحرك في اتجاه إقامة دولة فلسطينية وعدم الثقة في إسرائيل والولايات المتحدة والمفاوضات، أقنع الفلسطينيون أنفسهم بأن الوقت قد حان لتحديد مستقبلهم. وقد قامت السلطة الفلسطينية في العامين الماضيين بعملٍ هائلٍ لإنشاء مؤسساتٍ ذات مصداقية والتي تعتقد أنها يجب أن تكتسب شرعيتها من خلال دعم دولي متمثل في ثلاثة أشياء، هي الإعلان والقرارات والاعتراف.

ومع ذلك، يبقى ما يأمل الفلسطينيون في تحقيقه من خلال محاولاتهم الأخيرة غير واضح؛ هل هي حملة للاعتراف بفلسطين وإرساء أسس قبولها كعضوٍ في الأمم المتحدة، أم مجرد حملة للضغط على إسرائيل والولايات المتحدة لتكونا أكثر جدية في المفاوضات؟

ربما كانت الثانية، لأن المفاوضات هي السبيل الوحيدة الممكنة لإقامة دولة فلسطينية. وعجز المفاوضات عن تقديم شيء في الوقت الحالي لا يبرر الاعتقاد بأن هذا الطرح لن يجدي وأن ذلك سيترك الفلسطينيين في حالٍ أسوأ مما هم عليه بالفعل.

يقول الفلسطينيون إن هذا ليس مهما، ولعل إصرارهم على أن الوقت قد حان للتحرك ينبع من وحي الربيع العربي، حيث قامت إسرائيل من خلال قرار التقسيم الذي اتخذته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1947، لذا ربما ينجح مثل هذا التفكير بالنسبة لنا.

وحتى يمكننا إعادة صياغة كلمات إليزابيث باريت براونينغ، اسمحوا لي أن أعدد أسباب عدم نجاح ذلك:

أولا: أي قرار نظري، حتى لو كانت معه رقابة والتهديد بأعمال جماعية ضد إسرائيل في حالة عدم وجود أي تحرك نحو إقامة دولة فلسطينية، لن يؤدي إلى قيام دولة فلسطينية. وفي الواقع، أي حملة من قبل الأمم المتحدة لإقامة دولة فلسطينية سوف تعكس الضعف الفلسطيني، وليس الحزم. كما أن هناك انقساما في الحركة الوطنية الفلسطينية اليوم، ولا توجد ضمانات بأن تقوم حركة حماس بدعم حملة الأمم المتحدة. كما أن السلطة الفلسطينية لا تسيطر على قطاع غزة، ومعظم الضفة الغربية أو عاصمتها المفترضة في القدس الشرقية. ومن شأن أي قرار عقيم في نيويورك تسجيل نقاط لا تحتسب، كما أنه سيعكس عدم القدرة على أرض الواقع. إن الاهتمام الذي تحظى به حماس من قبل إسرائيل من خلال صواريخها أكثر مما يحظى به الفلسطينيون من خلال قراراتهم.

ثانيا، لكل فعل رد فعل، فمهما كانت حملة الأمم المتحدة تتسم بالدهاء والمهارة، فستتم معارضتها بالتأكيد من قبل الولايات المتحدة، حيث ستستخدم واشنطن حق النقض ضد القرار في مجلس الأمن. وفي حين أنه لا يمكنها إعاقة القرارات في الجمعية العامة للأمم المتحدة، لن تقبل الولايات المتحدة بمبدأ إعلان الدولة خارج المفاوضات أو تعبئة الضغوط الدولية ضد إسرائيل.

وبالنظر إلى التوقيت تبدو الفكرة الفلسطينية أكثر شذوذا. إن القول بأن إدارة أوباما لن تجازف بإنفاق رأس المال السياسي على حملة دولية تهدف إلى عزل إسرائيل في الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال العام الذي يسبق الانتخابات الرئاسية ربما يكون بمثابة استهانة بالقرن، وإذا أصبحت حملة الضغط على إسرائيل جادة، سيكون الكونغرس على استعداد لتقييد المساعدات الهامة للفلسطينيين، وربما لمصر إذا ما ساعدت في قيادة هذا المسعى.

ثالثا، يجب أن لا ننسى أن إسرائيل تشعر بالقلق بشأن العزلة وعدم الشرعية، كما أنها قلقة للغاية من الحملة الفلسطينية. ومع ذلك أظهر الإسرائيليون مرارا وتكرارا أنهم سوف يتحدون الضغوط الدولية بدلا من الإذعان لها. إن أي قرارات ضد إسرائيل في الأمم المتحدة سوف تعطي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فرصةً مثاليةً لحشد الدعم والادعاء - مرة أخرى - بأن إسرائيل لا تجد شريكا تقيم معه السلام. كما أن الحملة الفلسطينية ستحض على تكثيف النشاط الاستيطاني الإسرائيلي في محاولة لتذكير الفلسطينيين بأن الإجراءات الإسرائيلية هي إجراءات حقيقية وليست ظاهرية. وفي حال قيام الفلسطينيين بالإعلان عن إقامة دولتهم، فمن الأرجح أن تقوم إسرائيل بترسيم الجزء الذي تنوي الاحتفاظ به داخل الضفة الغربية.

منذ اثني عشر عاما وبالتحديد أثناء إدارة الرئيس كلينتون، واجهنا حملة فلسطينية أخرى لإعلان أحادي الجانب عن قيام الدولة الفلسطينية. بيد أنها لم تنجح نتيجة انتخاب إيهود باراك والحس الفلسطيني المشترك، وبدلا من ذلك، توصل الإسرائيليون والفلسطينيون إلى اتفاقٍ مؤقتٍ في شرم الشيخ في سبتمبر (أيلول) 1999.

ورغم ذلك، لن نكون محظوظين اليوم، حيث إن تفادي تحطم قطار إقامة الدولة الفلسطينية في نيويورك في خريف هذا العام سيتطلب نهجا إسرائيليا جادا في المفاوضات، وإظهار الشجاعة والخطط الاستراتيجية من جانب إدارة أوباما، وحركة وطنية فلسطينية على استعدادٍ لاتخاذ خياراتٍ صعبة. وإذا لم يتحقق شيء من هذا القبيل، سيظهر لدينا فراغ في القيادة. وعلى الأرجح سيتم ملؤه، للأسف، بقرارات وهمية وكلام رنان ومزيدٍ من العنف والوعود الزائفة.

* عمل في وزارة الخارجية الأميركية مفاوضا مختصا بشؤون الشرق الأوسط، ويعمل في مركز وودرو ويلسون الدولي للباحثين، ومؤلف كتاب سيصدر قريبا بعنوان «هل يمكن أن نرى رئيسا عظيما آخر يحكم أميركا؟»

* خدمة «واشنطن بوست»