ما وراء الكواليس!

TT

لماذا طال أمد الصبر على رئيس ساحل العاج المخلوع غباغبو ولم يتحرك ضده المجتمع الدولي إلا متأخرا، وبحسم فرنسي عسكري مباشر وحازم؟ هناك أسباب «وجيهة»، فلوران غباغبو وزوجته هما من أشد الزعامات السياسية الأفريقية أصولية وتطرفا بحسب التشدد المسيحي، وهما ينتميان للتبشيريين المسيحيين الإنجيليين، ولهما داعمون مؤثرون من أعضاء الكونغرس الأميركي من أمثال السيناتور الجمهوري المخضرم جيمس إينهوف، وهو عضو في المنظمة الأصولية المسيحية المتطرفة «العائلة» وصديق شخصي للرئيس غباغبو، وهو رفض طلب الرئيس أوباما للسفر إلى ساحل العاج لإقناع غباغبو بالتنحي وذلك لقناعة إينهوف بأن الانتخابات تم «تزويرها عن طريق الحكومة الفرنسية»!

«العائلة» لديها مراكز نفوذ قوية جدا في مواقع أخرى غير ساحل العاج، فلديها نفوذ هائل في أوغندا وتؤثر في إصدار الكثير من السياسات والتشريعات الاجتماعية والثقافية فيها، وكذلك لها سلطة واضحة في غانا، وخصوصا أن لديها ملكيات كبيرة في مجال التعدين ومناجم الذهب يمتلك فيها حصصا نافذة القس الأميركي الشهير والمرشح الرئاسي الأسبق عن الحزب الجمهوري بات روبرتسون. واليوم تحاول «العائلة» بسط نفوذها في دولة جنوب السودان وفرض «شروط» على سياسات الدعم التي تقدمها للحكومة هناك. ولـ«العائلة» أسماء أخرى تعرف بها في دوائر النفوذ وصناعة القرار، من أهم تلك الأسماء «الإخوة» و«شارع سي» وهي نفس الجماعة التي تعقد «إفطار الصلاة الوطني» في شهر فبراير (شباط) الذي يحضره الرئيس الأميركي وأهم أركان إدارته وأعضاء مجلس الكونغرس بشقيه. وتعتقد «العائلة» أن العضوية في مجموعتها مسألة عائدة للخيار الإلهي، ومملكة الرب ليست مسألة عائدة للخيار الديمقراطي، وأن أعضاءها لا يمكن أن يكونوا على خطأ بأي شكل من الأشكال، لأنهم مجموعة «مختارة»، ويعتبرها الساسة والمحللون الأميركيون بمثابة «مدرسة الأحد» للتنفيذيين المحافظين، ولديها قدرات تأثيرية بالغة الفعالية مع أصحاب رؤوس الأموال الكبرى أيضا الذين يعتمد على تبرعاتهم بشكل واضح ونافذ. قد لا يكون لـ«العائلة» دور نافذ وبارز خلال حقبة الرئيس الحالي باراك أوباما، ولكن كان لدورها الأثر البالغ الأهمية إبان حقبة الرئيس جورج بوش الابن، وتعد العدة الآن لبسط نفوذها الانتخابي مع مرشح قادم نافذ (لم تستقر عليه للآن بعد) في الحزب الجمهوري، الذي تعتبره دوما خيارها الأول والمفضل. وتبقى طبعا إسرائيل «الملعب» المفضل لـ«العائلة» نظرا لقناعة إنجيلية لديها، وخصوصا فيما يخص كتاب النبوءات الذي يبرز أهمية بناء دولة إسرائيل وحمايتها حتى المعركة الكبرى هرمجدون وهي الصراع بين الشر والخير بحسب رؤيتها التي سوف تكون على أرض فلسطين، ولكن لبسط هذا النفوذ بشكل أكبر اختارت «العائلة» ملاعب جديدة مثل أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية على حساب الإسلام والبوذية والهندوسية، وحتى الكاثوليكية والأرثوذوكسية المسيحية. إنها المعارك الخفية وغير الظاهرة في الأحداث السياسية، ولكنها مسائل لا يمكن إغفالها، وذلك لدورها في صناعة أبطال الحدث ونتائجه.

[email protected]