لقد ذهب كل شيء ولم يبق إلا الندم!

TT

الناس يكرهون العدالة ظالمين. ويحبونها مظلومين.

ويقول د. زكي نجيب محمود في قصة حياته (قصة نفسي) إن الحياة ثقيلة على من أصيب بالخذلان..

قال الشاعر القديم:

هب الدنيا تساق إليك عفوا

أليس مصير ذلك للزوال؟!

ويقول الفيلسوف الفلاني والشاعر العلاني إن كل شيء إلى لا شيء. ولكن متى يقول الإنسان ذلك؟ يقولها عندما ينهار تحت أثقال الذهب والفضة على كتفيه. ويقول ذلك عندما يجردونه من كل ذلك.. كما يحدث للصوص الكبار في بلدنا. سمعت أحدهم وهو يساق إلى ما وراء القضبان والدموع في عينيه والشماتة في عيون زملائه من المساجين: «أكبر غلطة في حياتي.. وأنا كنت حاعمل إيه بكل الفلوس دي.. أعمل بيها إيه.. نصفها.. ربعها.. عشرها كان يكفي. أنا اللي أستاهل!».

ولا بد أن بقية السجناء من أول رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ووزير الداخلية كذلك.. نفرض أن الرئيس مبارك أطلقوا سراحه وأعطوه كل فلوسه التي يقال إنها بلايين. لم نعرف حتى الآن كم هي بالضبط. فما الذي يستطيع أن يفعله بها؟

رجل في الثمانينات من عمره ومريض وانكسرت نفسه ومسحنا بكرامته وكبريائه الأرض ولففنا حول رقبته كل الحبال والسلاسل، فلا مهرب له من القيود ولا مهرب من الشيخوخة والمرض. فما الذي يفعله بهذا الجبل من الفلوس. ما الذي يستطيعه.. إذا كان يأكل بحساب ويشرب بحساب وينام ويصحو بحساب وعقاقير بلا حساب!

قال لي أحد الزملاء وقد رافق أحد لصوصنا الكبار فسأله: إزي الصحة؟ فأجابه: الصحة كانت زي البمب، ولكن بعد الفضيحة لن تكون كذلك.. وإنما مثل بمب الأطفال. قابل أمي وقل لها لن يصيبها شيء. وإن ما حدث كان بأمر الله! وقد اتخذ الحزن أشكالا وألوانا. فأحد الوزراء يبكي ليلا ونهارا ولا يرد على أحد. أحد الوزراء قال: كم سنة ونخرج ونستأنف الحياة من جديد.. وقال أحد الوزراء: الحكومة تأخذ ما تريد أو تتصالح وأعيد لها فلوسها ولن نموت!

والرئيس مبارك لم يستطع أن يقاوم الصدمة الفظيعة ويبكي. ويتمنى أن ينسى أنه كان رئيسا، ولكن لم ينس لحظة أنه أب. ولذلك قال: «افعلوا بي أي شيء ولكن اتركوا أولادي يعيشوا».

أما بقية اللصوص فقد قابلوهم بالشتائم والنكت والسخرية المؤلمة. وازداد ثقل الحياة لأنهم فقدوا كل شيء.. وكانت الحياة خفيفة الوزن وكانوا يطيرون فلا وزن ولا عقبات، فكل شيء عندهم ممكن وحاضر.. أما الآن فالقريب أصبح بعيدا والسهل صعبا والممكن مستحيلا. ولا فشل أعظم مما أصابهم!