كتيب إرشادات ميداني للمستبدين

TT

إذا كنت حاكما مستبدا في الشرق الأوسط، فسأعرف كيفية التعامل مع الحركات المطالبة بالديمقراطية التي تهدد حكمي، وهو التنكيل العنيف باستخدام القوة المفرطة ضد المدنيين وعدم تقديم تنازلات كبيرة. سيستنكر الغرب ويتموضع، لكنه لن يتدخل بشكل حاسم، فيمكنني إذن أن أنجو.

يراقب الرئيس اليمني، علي عبد الله صالح والرئيس السوري بشار الأسد وآخرون الأحداث في ليبيا ويدونون ملاحظات. ولا تسير المحاولة التي تقودها قوات حلف شمال الأطلسي لخلع معمر القذافي بالسرعة الكافية. لا يحب قادة التحالف المتشاجرون أو الجبهة الشعبية الداعمة له في الداخل إشعال حروب ضرورية لهزيمة كتائب القذافي والسيطرة على طرابلس. إن النظام ينزف لكنه لم يستسلم بعد. قد يتساءل المرء لماذا نهتم؟ ما الجدوى إذن إذا كانت إدارة العملية العسكرية في ليبيا تتم بالفعل؟ من المؤكد أن التدخل قد أنقذ حياة الكثيرين من خلال منع قوات القذافي من التقدم قبل ساعات من اكتساحهم لمعقل الثوار في بنغازي. لكن وصل الصراع الآن إلى وضع المراوحة الدموية للقذافي اليد العليا فيه. كم عدد الثوار الليبيين والمدنيين الذين سيموتون خلال الأسابيع أو الشهور وربما السنوات المقبلة؟ ما الذي نشعر أننا أنجزناه بعد تأمل عدد الوفيات حتى هذه اللحظة؟ جعل الرئيس أوباما التدخل خيارا متاحا من خلال موافقته والالتزام بتقديم الولايات المتحدة للمساعدات. كذلك أعلن أن القذافي قد فقد شرعيته كرئيس لليبيا، وأن خلعه من منصبه أصبح الهدف الواضح للسياسة الأميركية. لقد كان خطابا شديد اللهجة، ومن المؤكد أنه أثار حنق الحكام المستبدين الآخرين للدول العربية. لكنه خطاب متهور من جهة أخرى، فقد كان واضحا أن أوباما ليس عازما على التورط في حرب أخرى، حيث كان محددا في هذا الصدد منذ البداية حين قال: إنه لن يتم نشر قوات برية أميركية، وإن قيادة العمليات سوف تسلم إلى الدول الأوروبية الحليفة للولايات المتحدة. لكن كان من الواضح للمحللين العسكريين أن سلاح الجو فقط لا يمكنه أن يلحق الهزيمة بقوات القذافي، وأن قوات حلف شمال الأطلسي لم تكن قادرة يوما على تنظيم موكب جنائزي من 3 سيارات دون قيادة الولايات المتحدة.

تتحلى قوات الثوار بالشجاعة، لكن المعركة غير متكافئة. وثبت أن القوات الجوية الأوروبية وحدها غير قادرة على حماية المدنيين في المدن التي تدور فيها رحى الصراع مثل مصراتة، حيث تمتلئ المستشفيات بالجرحى والمحتضرين، وتم قتل المصورين الفوتوغرافيين تيم هيزيرنغتون وكريس هوندوروس يوم الأربعاء فيما يبدو بقذيفة صاروخية أطلقتها كتائب القذافي. في أكثر الأيام، تحارب المعارضة باستماتة للحفاظ على المناطق التي سيطرت عليها لا السيطرة على المزيد من المناطق.

إن إحباط قوات التحالف يتزايد، ويقدم قادة فرنسا وبريطانيا وإيطاليا على اتخاذ خطوة أخرى هي إيفاد مستشارين عسكريين لمحاولة تنظيم قوات الثوار عسكريا. وبعد قرار الولايات المتحدة بإرسال زي عسكري ودروع وعربات، صرحت يوم الخميس الماضي بأنها ستستخدم طائرات من دون طيار من طراز «بريداتور» في ليبيا.

إنها حقا «مهمة بغيضة»، لكن فقط إذا نظرنا إليها باعتبارها مهمة عسكرية صرحت بها الأمم المتحدة ذات أهداف محددة وهي حماية المدنيين. المهمة السياسية التي حددها أوباما وقادة الدول الأوروبية هي تغيير النظام. لم تقترب المحاولات التي يتم بذلها حتى هذه اللحظة من جسر الهوة بين الهدف الذي حدده الحلفاء والموارد المستخدمة لتحقيقه. وبدأ المسؤولون الأوروبيون يشتكون من عدم بذل الولايات المتحدة الجهد الكافي. وقد رد جو بايدن، نائب الرئيس الأميركي، في مقابلة مع صحيفة «فايننشيال تايمز» من خلال دحض صارم لهذا الزعم. وقال بايدن: «إذا أخذ الله الولايات المتحدة من حلف شمال الأطلسي ووضعها على كوكب المريخ ولم نعد نشارك في الحلف، فسيكون من الغريب أن يقال إن حلف شمال الأطلسي وباقي العالم غير قادرين على معالجة الوضع في ليبيا، قد لا يكون لدى الدول الأخرى العزم، لكن الأمر لا يتعلق بالقدرة».

قد يمنح كل ما يحدث للرئيسين السوري بشار الأسد واليمني علي عبد الله صالح الأمل والثقة وهما يستعينان بالقوات الأمنية والبلطجية لقتل المتظاهرين المسالمين. ربما يبعث ذلك الرضا في نفوس بعض الحكام الذين سيعرفون أنه سيتم التماس الأعذار لقمعهم للاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية. ليست الواقعية في السياسة الخارجية بالأمر الجيد أو السيئ، لكنها في النهاية أمر حتمي. لا تريد الولايات المتحدة وحلفاؤها أن تسيطر على مجرى الأحداث في ليبيا والمنطقة. لو لم يتغير ذلك فستكون القسوة لا الطيبة هي السبب وراء التظاهر بغير ذلك.

* خدمة «واشنطن بوست»