العبدة الطاغية

TT

مقالي اليوم غير مترابط فكله (سمك لبن تمر هندي)، فأولا يستهويني النبش بالتراث القديم أحيانا، ومن قراءاتي المستعجلة انتقيت لكم هذين الموقفين: فيقال إن (ربيعة الراقي) قد مدح يوما (يزيد بن حاتم الأزدي)، وانتظر طويلا أن تأتيه المكافأة دون جدوى، فما كان منه إلا أن يرحل، وبعث ليزيد بهذا البيت من الشعر:

أراني ولا كفران لله راجعا

بخفي حنين من نوال ابن حاتم.

فلما قرأ يزيد هذا البيت أرسل في طلبه سريعا، وعندما حضر ليسأله عن خفيه وجده حافيا، فنادى على أحد الواقفين خلفه قائلا: يا غلام آتني بخفين جديدين، وعندما أحضرهما ملأهما يزيد بالجواهر وقدمهما (لربيعة) قائلا له: إن بيت الشعر هذا لا يستحق الدنانير فقط ولكنه يستحق الجواهر، فارجع بهما وهما ممتلئان.

ويقال: إنه بعد أن خرج ساومه بعض التجار واشتروا منه تلك الجواهر بمائة ناقة.

والموقف الثاني هو للخليفة (المنصور) عندما خطب يوما في جماعة من عرب الشام قائلا: أيها الناس، ينبغي أن تحمدوا الله على ما وهبكم، فإني منذ وليتكم، أبعد الله عنكم الطاعون الذي يفتك بكم.

فتصدى له أحد المستمعين قائلا: إن الله أكرم من أن يجمع علينا في وقت واحد الطاعون والمنصور.

فهب الأتباع يريدون أن يفتكوا به، غير أن المنصور منعهم من ذلك قائلا: والله إن هذا الرجل هو أشجع وأصدق منكم جميعا، ثم شكره وخلع عليه خلعة.

فأين نحن من أولئك الراحلين؟! وللدلالة على تفاهتنا في هذا الزمان الأغبر، فإليكم ما حصل بيننا نحن (الدنافيس) في أحد المقاهي وبدلا من أن نخوض في (علوم الرجال اللي تجمد على الشارب) تشاكلت وتجادلت مع أحدهم جدالا حادا، هو يقول إن المرأة تلبس لكي تسرّ الرجال، وأنا أقول له معترضا: بل إن المرأة تلبس لكي تغيظ النساء.

فلما تعالت أصواتنا وكدنا أن نتشابك بالأيادي، تدخل أحد الحاضرين مشكورا قائلا لنا بما معناه: على رسلكما، كلاكما على حق، فالمرأة حين تلبس لتسر الرجال تكون في نفس الوقت قد أغاظت النساء، فصفق له بعض الحضور.

ولكن وبحكم أنني بطبيعتي لا أرضى بأنصاف الحلول، فإما أن يكون الحق معي (100%) أو ما أقبل، لهذا عقبت على كلام ذلك الرجل قائلا: الواقع أن هذا لا ينطبق على كل النساء، ومن حسن حظي أنني ما إن أنهيت جملتي هذه حتى عبرَت بالصدفة أمامنا امرأة تمشي بخلاعة على الرصيف، وكانت في منتهى (الشياكة)، ولكنها يا سبحان الله (قردة مصوّرة)، فقلت للجميع: انظروا بالله عليكم، أي سرور جلبته لكم ملابس هذه (الست)؟! والله لقد زادتني كآبة على كآبة، فقمت من مكاني بكل حماقة تاركا كأس العصير الذي أمامي، و(اللي نفسي فيه)، تركته في منتصفه ولم أكمله.

وما إن وصلت إلى مقرّي حتى فتحت كتاب (هكذا تكلم زرادشت) لنيتشه، فإذا عيني تقع على هذه الجملة الخطيرة القائلة: في أعماق كل امرأة يوجد عبد وطاغية.

عندها ألقيت بالكتاب جانبا، وسرحت بخيالي مستعرضا جميع النساء اللواتي سمعت عنهن عبر التاريخ، ولسن اللواتي لم أعرفهن بعد، ووجدت أن كلامه شبه منطقي، فهدأت عفاريتي قليلا وأخذت أدعو: اللهم أعطني عبدة (كتكوتة)، ولا تضع في طريقي طاغية (بلطجي).

[email protected]