عن سورية

TT

ليس في سورية سوى إعلام حزبي متشدد وشديد الانغلاق. وفي لبنان، المؤثر إعلاميا في الشأن السوري، ينقسم الإعلام إلى فريقين: واحد موال لدمشق بلا حساب، وواحد معاد بلا حساب. وغاب، للأسف، إعلام ثالث متوازن، يعبر عن الحقائق دون خوف، ويفتح لسورية نافذة على ما يجري حقا في العالم الخارجي.

لا يمكن أن نرى ماذا يحدث اليوم، من دون أن نتأمل ماذا جرى في الأمس. لقد أخطأ الإعلام في اتجاهين، الأول حيال الناس، والثاني حيال النظام. وجعل بين الاثنين هوة لا ضرورة لها. فالولاء للدولة اليوم لا يمكن ضمانه عبر خطاب درج في العالم الاشتراكي أوائل القرن الماضي. وزايد الإعلام اللبناني الموالي على الإعلام السوري الرسمي، ولعب دورا مشابها للدور الذي كان يلعبه أيام مصر الناصرية، ولكن غالبا بمهنية أقل. حجبت لغة الخطاب الإعلامي تطورات كثيرة حدثت في سورية. لكنه حجب أيضا أن ما حدث ليس كافيا للتعويض عن نصف قرن من العزلة، وأن لا بد من التعجيل في رسم الصورة الجديدة، التي كانت علامتها في البداية وصول طبيب شاب متخرج في بريطانيا حمل معه طلائع ما سمي يومها «ربيع دمشق».

يومها كان عبد الحليم خدام أول من قال «لا نريد جزائر أخرى في سورية». ولا شك أن بعض من كانوا حول الرئيس الجديد أقنعوه بمحاذرة التغيير. وساعدهم في ذلك اندفاع المتفقين والمعارضين، يريدون كل شيء في يوم واحد. ثم وقعت تطورات لبنان وخروج القوات السورية وسحب السفير الأميركي من دمشق، مما أدى إلى المزيد من التصلب داخليا وخارجيا.

لا أدري إلى أي مدى أدى انشغال سورية في سياسات لبنان إلى الضرر بها. فقد بدت لفترة وكأن لا هم سياسيا لها سوى الشأن اللبناني الذي هو، في أفضل حالاته، مجموعة أنفاق ونفاق كثير. وحجب الغرق في لبنان موجة التطور الاقتصادي ومعالم الازدهار التي شملت معظم سورية في السنوات الأخيرة. كما أثرت رتابة الحكومات المألوفة في دمشق الصورة الجديدة في القصر الجمهوري.

الذين يمثلون في لبنان الفريق الذي لا أهمية له، أي الذي يدرك مدى ترابط سلامة البلدين، وبالتالي ليس هو في المديح المسيء ولا هو في العداء المسيء، كنا نخشى نتائج السباق بين أعاصير المنطقة ومنطق الإعلام القديم. نقول هذا ونحن ندرك أن المسألة تخطت الإعلام المصفق إلى جوهر السلامة في المنطقة. ففي سورية، تكمن خريطة المشرق العربي. وقد يكون عليها متآمرون كثيرون، لكن الحرصاء عليها أكثر بكثير. والذين أصدقوها القول هم الذين أصدقوها النوايا. وليس من عربي يريد لسورية اختلالا، مهما تجاوبت مع ضرورات التغيير.