تلامذة ولا معلمون

TT

انقسم العرب حول الأستاذ فؤاد زكريا في حياته الفكرية والفلسفية والثقافية، وأيضا عندما انزلق من الفلسفة إلى السياسة لكي يرد على كتاب الأستاذ محمد حسنين هيكل «خريف الغضب». في ذلك الكتاب، كما في أي عمل أو أثر من آثاره، حرص على أن يكون موضوعيا غير شخصاني. في هذا الانقسام الجديد حول المفكر المصري، حضرت كل المشاعر وغاب التقييم الموضوعي إلا لمحة.

حدث عكس ذلك عندما غاب الدكتور عبد الرحمن بدوي، الذي خلط كل شيء بشخصه وشخصانيته وترك قبل وفاته بقليل مذكرات تشبه كتب تدقيق الحسابات. من سدد ومن تهرب. ولم يترك الدكتور بدوي اسما أكاديميا إلا وصفى حساباته معه. وكان الجميع على خطأ وجهلة ويكرهونه ويتآمرون على كرسيه في الجامعة، سواء في بيروت، حيث كانت الفلسفة كرسيا عمره أكثر من مائة عام، أو في ليبيا حيث كانت الفلسفة كرسيا لا يزال يبحث عن ظهر ومقعد.

فؤاد زكريا كان من المصريين الذين حملوا معهم إلى الخارج نهضة مصر وكرامة مصر. ثمة صف طويل من هؤلاء، كان أبرز منجزاته ثلاثة مشاريع ثقافية مشعة في الكويت: «العربي»، التي نشرت في المنطقة المعرفة الميسرة، و«عالم المعرفة» و«عالم الفكر» اللتين نشرتا الآداب والمعارف النخبوية بعدما بهتت في مصر ولبنان وتضاءل الجمهور الذي كان يؤمّن استمرارها.

كان العرب يدرسون في مصر ويعودون ومعهم أسماء أساتذتها وأعلامها. وكانت الثقافة والمعرفة شغفا عند رجال مثل الأستاذ عبد العزيز حسين، ذلك الوجه الحضاري والأثر الحضاري والظلال الحضارية.

والمثقل في أولئك المشرقين أنهم يطوون مراحلهم معهم حين يذهبون. وفي كل مكان. الآن الصورة «الثقافية» في الكويت ملطخة بالسب والشتم، وبعض من تصدرهم مصر من الكتبة يلفون علمها حول خصورهم.

كان زكي بدوي وفؤاد زكريا وطه حسين والعقاد وأحمد بهاء الدين يتركون خلفهم أجيالا من التلامذة، في الخلق وفي القلم. والمحزن أن ثمة جيلا لا معلمين له، لا هذا ولا ذاك.