«ستاندرد آند بورز» تضع أميركا أمام العاصفة

TT

شكرا جزيلا لوكالة التصنيف الائتماني «ستاندرد آند بورز»، فقد كان تحذيرها من أنها قد تخفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة دعوة للاستيقاظ نتقبلها بكل ترحاب وسرور. فقبل أسابيع قليلة، قالت مؤسسة «بيمكو»، أكبر صندوق سندات في العالم، إنها ستتخلص من سنداتها من الدين الأميركي.

تلا ذلك خطاب صندوق النقد الدولي إلى الولايات المتحدة، في لهجة وكأنه يوبخ إحدى دول العالم الثالث التي تترنح، لا أكبر مساهم في الصندوق. وحذر الصندوق قائلا «هناك حاجة ملحة لاستراتيجية ذات مصداقية» بهدف تحقيق استقرار الدين القومي الأميركي.

والآن تأتي مؤسسة «ستاندرد آند بورز» لتخفض تقييمها لسندات الخزانة الأميركية من «مستقر» إلى «سلبي»، مما يعني أن احتمال خفض تصنيف ديون الولايات المتحدة في غضون عامين سيكون بنسبة واحد إلى ثلاثة.

ونوهت المؤسسة إلى وجود «خطر مادي» في حالة عدم التوصل إلى اتفاق حول كيفية التعامل مع مسائل الميزانية متوسطة وطويلة الأجل بحلول عام 2013. وأضافت: إذا لم يحدث شيء حتى هذا التاريخ، «فهذا من شأنه، في رأينا، أن يفقد الولايات المتحدة تصنيفها السيادي الممتاز «AAA».

وبعبارة أخرى، من الممكن أن تتبخر أكبر أصولنا غير الملموسة، على الرغم من اعتبار الولايات المتحدة الاستثمار الأكثر أمانا في العالم. كما سترتفع أسعار الفائدة ويتجمد الاقتصاد. ومما لا شك فيه أن ارتفاع تكلفة خدمة الديون وانهيار عائدات الضرائب المصاحبة لذلك سوف يجعلان من الصعب جدا الهروب من هذه الدائرة السيئة.

الحقيقة أنك لست بحاجة لأن تكون في خضم أعمال التقييمات لترى كيف سيكون من الصعب بالنسبة للولايات المتحدة أن تتفادى هذا المصير، حيث إن الاختلال الوظيفي للنظام السياسي واضح وضوح الشمس لأي قارئ صحيفة عادية.

في الحقيقة، قد تتساءل لماذا يجب على أي شخص أن يستمع إلى أحد الجناة الذين ساعدوا في إحداث الفوضى الاقتصادية الحالية - وما إذا كانت مؤسسة «ستاندرد آند بورز» تحاول إبراء ذمتها من ذلك. وكما يحدث دائما، وصل تقييم «ستاندرد آند بورز» في أعقاب تأكيد تقرير للكونغرس على أن تقييمات «ستاندرد آند بورز» و«موديز» للأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري والتي تضخمت ثم انخفضت فجأة، قد فجرت الأزمة المالية.

ونقلت اللجنة الفرعية الدائمة للتحقيقات في مجلس الشيوخ عن موظف في مؤسسة «ستاندرد آند بورز» تشبيهه لتدهور سوق الرهن العقاري بـ «مشاهدة إعصار يتحرك ببطء على طول الساحل نحونا». كان هذا في مارس (آذار) 2007، حتى إن الوكالة استمرت في إصدار التصنيف الائتماني الممتاز (AAA) للأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري، واصفة إياها بأنها آمنة مثلها مثل السندات الحكومية.

إن تشبيه تدهور سوق الرهن العقاري بالإعصار ينطبق تماما على الصورة المالية للولايات المتحدة، حيث بدأت العاصفة تتجمع ولكن لا أحد يعرف ما إذا كانت ستصل فجأة وبأقصى قوة أم أنه سيكون هناك وقت لعملية إخلاء منظمة مع سقوط القطرات الأولى.

وهذا هو سبب امتناني لمؤسسة «ستاندرد آند بورز»، فكلما كان هناك المزيد من التحذيرات التي من شأنها أن تحث النظام السياسي على اتخاذ خطوات، كان ذلك أفضل. ومن وجهة نظر إدارة أوباما، لا يجب أن تقوم الأسواق المالية بالمبالغة في رد الفعل على الأخبار، وبالتالي جعل المسائل الاقتصادية أكثر سوءا - ولذلك تقول جولة المقابلات التي قام بها وزير الخزانة تيموثي غايتنر، إن مؤسسة «ستاندرد آند بورز» كانت قاتمة أكثر مما ينبغي بشأن احتمالات التوصل إلى اتفاق سياسي. وفي الوقت نفسه، طالما ظلت الأسواق هادئة بشكل معقول، كما يبدو، فإن الإدارة تشعر بالسعادة لغضب الطبقة السياسية. وتكمن المشكلة في أن الإدارة لديها رسائل مختلفة لنوعين من الجمهور، ولكن لديها ميكروفون واحد فقط.

الحقيقة أنه، على الرغم من التفاؤل القوي الذي يشعر به غايتنر – لم يختلف تقييم «ستاندرد آند بورز» كثيرا عما سمعه سرا من المسؤولين في الإدارة. وكما أشارت «ستاندرد آند بورز»، فعلى الرغم من أن الرئيس والجمهوريين في الكونغرس يوافقون على الحاجة للحد من الديون، وعادة ما يكونون متفقين بشأن الأرقام، إلا أنهم مختلفون تمام الاختلاف حول كيفية تحقيق ذلك. ولذا، قالت «ستاندرد آند بورز»: «نعتقد أنه سيكون هناك خطر كبير في حال فشلت المفاوضات في الكونغرس في التوصل إلى أي اتفاق بشأن استراتيجية مالية متوسطة الأجل إلى ما بعد الانتخابات التشريعية والرئاسية في خريف 2012». وخلص التقرير إلى أنه: «في هذه الحالة، ستكون أول ميزانية تشتمل على تدابير مالية جادة هي ميزانية السنة المالية 2014، ونحن نعتقد أنه من الممكن أن يتأخر ذلك إلى ما بعد هذا التاريخ».

وستكون هناك أزمة تلوح في الأفق إذا ما قام السياسيون باتخاذ خطوات غير سارة، ومحفوفة بالمخاطر من الناحية السياسية. ويكمن التحدي المتمثل في التعامل مع الدين في عدم معرفة أي شخص عما إذا كان هناك ما يكفي من الوقت بين استعداد السياسيين للتحرك، والنقطة التي يتم فيها كشف النقاب عن تفاصيل الموقف الحالي. النتيجة المتوقعة لتحذير «ستاندرد آند بورز» تتمثل في أن رصد هذه الظاهرة سيخلق القدرة على تغييرها.

*خدمة «واشنطن بوست»