الدولار يواجه مأزق الإنزلاق

TT

ذهب وارن بافيت، للتسوق في الخارج الشهر الماضي، فتوجه جوا إلى كوريا الجنوبية لافتتاح مصنع ووصف الدولة بأنها «أرض خصبة» للاستثمارات. كذلك عد اليابان بعد الزلزال «فرصة للشراء»، ثم سافر إلى الهند، حيث قال إنه كان يستهدف القيام بالمزيد من عمليات الاستحواذ.

هذه هي طريقة بافيت للرهان مقابل الدولار الأميركي. بافيت سلح نفسه بـ38 مليار دولار نقدا في شركة «بيركشاير هازاواي» لاستخدامها في شراء شركات تدر أرباحا بعملات أخرى خلال السنوات القادمة. وقال في ظهور علني له بنيودلهي: «لا أنصح بشراء استثمارات طويلة الأمد بسعر الدولار الثابت. إذا سألتني ما إذا كان الدولار سيحتفظ بقوته الشرائية الكاملة الحالية في عام 2011 لمدة خمس أو عشر سنوات أو عشرين سنة قادمة من الآن، سأقول لك إنه لن يفعل».

ليس بافيت وحده هو الذي يشعر بالقلق حيال الدولار، فهنالك بعض أنجح المستثمرين في الولايات المتحدة وأكبر صناديق إدارة الأموال يشعرون بالقلق إزاء العجز في الميزان التجاري وعجز الميزانية واحتمال عودة التضخم التي من شأنها أن تضعف قوة الدولار الأميركي مقارنة بالعملات الأخرى في مختلف أنحاء العالم. وانخفض الدولار يوم الخميس الماضي عن سعره منذ 18 شهرا ونصف الشهر في مقابل اليورو.

وقال بيل غروس، الرئيس التنفيذي لشركة السندات الاستثمارية العملاقة «بيمكو»، إن صندوق «توتال ريتيرن فاند» يمتلك 8 في المائة من أصوله، وهو ما يعد ارتفاعا تاريخيا، في الأوراق التي قيمتها بعملات أخرى غير الدولار. في وقت مبكر من العام الحالي تخلص الصندوق من كل ممتلكاته من سندات الخزانة الأميركية بحسب مصادر مطلعة.

وقال غروس في مقابلة: «الولايات المتحدة من الدول التي أساءت استغلال العجز والإنفاق غير الملائم لقدرتها المالية. وتساءل في المقابلة: هل يهم ارتفاع سقف الديون وعجز الميزانية الذي بلغ 10 في المائة والشد والجذب بين آراء الجمهوريين والديمقراطيين؟ بالطبع يهم، فهو لا يبعث على الشعور بالثقة».

وقال إن تراجع سعر صرف الدولار جزء من توجه طويل الأمد تطلق عليه شركة «بيمكو» «النمط العادي الجديد». وأضاف: «نحن نواجه هذا النوع الجديد من الاقتصاد الذي تنهض فيه دول العالم النامي بخطى أسرع من الدول المتقدمة. ويتجلى هذا النمو في قيمة العملة».

ربما لا يزال لدى الدولار مساحة تراجع آمنة يتحرك فيها في مقابل العملات الأخرى. وأشار غروس إلى أن عملات الكثير من الدول الآسيوية لا تزال أقل من مستوياتها بنسبة 50 في المائة أو أكثر مقارنة بمستواها قبل أزمة العملة الآسيوية عام 1997. وفي مارس (آذار) وصل سعر صرف الدولار، الذي تغير مع التضخم، إلى أدنى مستوياته مقابل عملات الدول الكبرى التي لها معاملات تجارية مع الولايات المتحدة، للسماح بتأرجح قيمتها في يناير (كانون الثاني) عام 1973 بحسب بيانات مصرف الاحتياط الفيدرالي.

وقال كنيث روغوف، أستاذ الاقتصاد بجامعة هارفارد وكبير الاقتصاديين بصندوق النقد الدولي سابقا: «يعد هذا مقياسا حقيقيا لقيمة الدولار يوضح قدرتك على الشراء بالدولار الأميركي». لكنه يشير إلى أن ضعف قيمة الدولار لا يعد بالضرورة شيئا سيئا، حيث يمكن أن يزيد من قدرة الولايات المتحدة التنافسية ويدعم صادراتها ويساعد الشركات المحلية التي تنافس السلع المستوردة في الولايات المتحدة. وربما تستطيع الولايات المتحدة أن تلعب ضد الصين الورقة التي كانت تستخدمها الصين في المعركة على وظائف التصنيع». ويحذر غروس المستثمرين من احتمال عدم تراجع الدولار إلى ما دون المستوى الذي وصل إليه على المدى القصير.

وقال: «ليس بالضرورة أن يكون الرهان على تراجع قيمة الدولار واكتساب العملات الأخرى المزيد من القوة جيدا كما كان الحال منذ عام». وأضاف أنه إذا كنت تراهن على الدولار: «ما زال لديك الضوء الأخضر رغم أنه كان أكثر تألقا منذ 12 شهرا». لكن بعض المحللين يرون أن الدولار ربما يواجه بعض الاهتزاز خلال الأشهر القليلة المقبلة وربما يعاني من المزيد من التدهور في ظل صراع الكونغرس والبيت الأبيض على ارتفاع سقف الدين ومعالجة عجز ميزانية العام المالي 2012.

وقال داريل جونز، الذي يعمل في شركة «هيدجي» للبحث والاستشارات: «من الموضوعات الأساسية هي احتمال حدوث انخفاض سريع في سعر صرف الدولار الأميركي. وبالنظر إلى الطريقة التي تسير بها الأمور في واشنطن، سيتاح لمتداولي العملات العالمية في مثل هذه الحالة فرصة التصويت ضد الدولار». وإذا حدث ذلك وفقد الدولار مكانته كـ«عملة الاحتياط العالمية»، وبما أن أكثر المعاملات الدولية تتم بالدولار وتحدد أسعار السلع بالدولار، فإن ذلك سيقود إلى زيادة تكاليف فاتورة الاستيراد في الولايات المتحدة.

من مؤشرات توجه الدولار نحو التراجع هو سباق العملات نحو القاع. لا تعد المشاكل الخاصة بالدين الأميركي والعجز، أسوأ كثيرا من المشاكل التي تواجهها دول أخرى كثيرة. فحجم الدين الياباني يبلغ ضعف إجمالي الناتج المحلي تقريبا. وتعاني بريطانيا من حجم عجز مشابه وتخفض إنفاقها. وتعاني بعض الدول التي تستخدم اليورو، من اليونان إلى البرتغال ومن آيرلندا إلى إسبانيا. على الجانب الآخر تحاول الصين التي تربط عملتها بالدولار جاهدة أن تسيطر على معدل التضخم المرتفع. ولكن مشكلة أميركا أنها لا تفعل ما فيه الكفاية لمعالجة هذا العجز.

ويقول جونز إن وضع الولايات المتحدة أسوأ بعدة مقاييس، فقد أوضح يوم الخميس الماضي لعملائه أن نسبة العجز الأميركي إلى إجمالي الناتج المحلي أقل من سيراليون بقدر ضئيل. وأضاف أن بريطانيا تتعامل مع عجز الميزانية لديها من خلال دعم الجنيه الإسترليني. وتعالج الصين التضخم من خلال زيادة متطلبات الاحتياطي لدى المصارف. فضلا عن ذلك يبدو أن العجز الذي تواجهه الولايات المتحدة سيستمر لسنوات. بموجب القانون الحالي، ستعالج الحكومة الفيدرالية عجزا وصل إلى 4.5 تريليون دولار خلال السنوات الخمس المقبلة وبحلول عام 2021 سيرتفع الدين الفيدرالي المستحق للمواطنين إلى 19 تريليون دولار بارتفاع نسبته 75 في المائة من عام 2011 بحسب مقترح مكتب الإدارة والميزانية لعام 2012.

ويقول الكثير من مديري الصناديق إن المخرج الوحيد من هذا المأزق هو خفض قيمة الدولار وهو ما من شأنه أن يخفض قيمة حجم الدين الأميركي المستحق للأجانب ويزيد من قيمة الاستثمارات الأميركية في الخارج مثل استثمارات بافيت. ويقول غروس: «دول مثل الولايات المتحدة تتسابق نحو القاع»، لكنه أضاف أن تيموثي غايتنر، وزير الخزانة الأميركي، لن يقول هذا أبدا، بل سيقول إن ضعف العملة يزيد قدرتهم التنافسية ويقلل عبء الدين. ويمتلك الأميركيون نحو نصف الدين الفيدرالي الكبير، لكن غروس يقول إن الجزء الباقي من الدين مستحق للأجانب خارج الولايات المتحدة كما كان سيقول تينيسي ويليامز. ويوضح قائلا: «إذا استطاعت الولايات المتحدة خفض قيمة الدولارات التي تدين بها فالأمور ستتحسن».

وقال جورج سوروس، مدير الصندوق في معرض رده على سؤال من «بلومبيرغ نيوز» عما إذا كان الدولار الأميركي لا يزال من أكثر الأصول أمانا والعملة التي تتم التجارة بها: «إنه لا يتضمن مخاطرة، لكن الأمر يتعلق بمستوى التضخم الذي قد تواجهه في المستقبل. من إحدى طرق خفض عبء الدين هو وجود قدر من التضخم».

وأوضح سوروس أنه لا يعتقد أن الولايات المتحدة سوف تواجه ضغوطا نتيجة التضخم الآن وأنه لا يشعر بأي قلق من صعوبة الحفاظ على مستوى محدود من التضخم دون أن يخرج عن السيطرة. وساعد القلق من التضخم وعدم الاستقرار المالي بوجه عام في رفع أسعار الذهب إلى أعلى معدلاتها، حيث تجاوزت 1500 دولار للأوقية. كذلك يقول بعض المحللين إن تراجع قيمة الدولار من أسباب ارتفاع سعر النفط الخام إلى أعلى معدلاته نظرا لأنه بالدولار. ووصل سعر برميل النفط من نوعية الخام الأميركي يوم الخميس الماضي إلى 112 دولار.وحذر روجوف من الاستغراق في قراءة تحركات العملة على المدى القصير. وقال إن قيمة الين الياباني على سبيل المثال ارتفعت منذ حدوث الزلزال. وأضاف: «أعتقد أنه في النهاية أن موجات التسونامي لم تساعد في علاج عجز الميزانية أو أي شيء آخر. فقد أوضحت الآلاف من الأوراق البحثية مدى صعوبة تفسير التحركات قصيرة المدى».

*خدمة «واشنطن بوست»