مخاطر خيار القوة

TT

مشهد الدبابات على شاشات التلفزيون وهي تدخل مدينة درعا السورية، التي أشعلت شرارة الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية، يعني أن السلطات في دمشق اتخذت قرارا استراتيجيا باللجوء إلى القوة لفرض إرادتها وإخماد صوت الانتفاضة هناك.

فطوال الأسابيع الستة الماضية من تاريخ الانتفاضة المطالبة بالديمقراطية والحريات في سورية، لجأت السلطات إلى مزيج من القوة والقرارات السياسية التي تسير في اتجاه المطالب، مثل إلغاء قانون الطوارئ، ومحكمة أمن الدولة، وتنظيم المظاهرات، وإقالة محافظين ومسؤولي أمن. لكن لم يكن ذلك كافيا لتهدئة الاحتجاجات لأسباب كثيرة؛ أولها أن هذه القرارات لم تنعكس على الشارع، فقد استمر إطلاق النار على المتظاهرين. وثانيا أنها قرارات جاءت في اللحظة الأخيرة وتحت ضغط، في وقت تبدو فيه الثقة مفقودة؛ فلا أحد يريد أن يعطي فرصة ليرى ما إذا كانت هذه القرارات سيكون لها مفعول حقيقي أو لا.

وثالثا، وهو الأهم، هو أن الانتفاضة أصبح لها مطالب سياسية واضحة رفعت السقف إلى حد المطالبة بإلغاء المادة التي تنص في الدستور على هيمنة حزب البعث على البلاد. بما يعني أن المحتجين يريدون تغييرا سياسيا حقيقيا يهز ارتباطات ومصالح راسخة عبر عقود لعقد سياسي ومجتمعي جديد تماما.

ومثلما حدث في بلدان عربية أخرى، فإن المطالب تبدأ بسقف أقل، مثل الحرية والعدالة. والمراهنة على إمكانية التطور والإصلاح من خلال النظام نفسه واستجابته للمطالب، ثم تبدأ في التطور عندما ترد السلطات بالقمع والرصاص. وعندما يسيل الدم يفقد الناس الإحساس بالخوف، ويبدأون في التحدي ورفع سقف مطالبهم إلى إسقاط النظام. حدث هذا في تونس ومصر بنجاح، بسبب أن المؤسستين العسكريتين رفضتا إطلاق النار على شعبيهما. وتعثر في ليبيا وتحول إلى صراع مسلح. ويبدو أنه في سورية يتعثر هو الآخر، بما يفتح الباب أمام سيناريوهات قد يكون أحدها مماثلا لليبيا، والآخر حدوث انشقاقات داخل النظام نفسه.

فالقوة لها حدودها، فلا يوجد حكم يسيطر على الناس بالدبابات فقط، خاصة إذا استطاعت حركة الاحتجاج أن تحشد الشارع بكثافة، كما أن القوة تغير حتى معادلات الحكم، لأن صاحب الدبابة في الشارع يعرف أن رقبة القصر في يده.

وكما تخيف الدبابات والرصاص الناس، فإن لها مخاطرها أيضا، فهي تدفع الطرف الآخر إلى اللجوء إلى السلاح هو الآخر، كما حدث في ليبيا، كما أن القوة في مواجهة احتجاجات سلمية تخصم من رصيد الشرعية لدى مستخدمها، وتجعله تحت التهديد المستمر من شعبه. وهي لا تحل مشكلة، بل تؤجلها فقط بضريبة دم مرتفعة تخلق ثارات وعداوات.

من الصعب التكهن بالسيناريو المحتمل، فالمعلومات شحيحة، وهناك تضييق إعلامي يعرقل التعرف على الصورة الحقيقية لما يجري على الأرض وطبيعة القوى. ومن الذي يتخذ القرار فعلا. والسؤال الذي يطرح نفسه هو إلى أي مدى ستستطيع القوة أن تظل متماسكة إذا استمرت الاحتجاجات وإراقة الدماء؟ وهل استطاعت سابقا؟ قد نجد الإجابة في كتب التاريخ.