ماذا بعد الإطاحة بالقذافي؟

TT

أوضح الثوار الليبيون أن أي اقتراح بوقف القتال وإنهاء معركتهم الحالية ضد الحكومة الليبية يجب أن يشمل الإطاحة بمعمر القذافي. ودعا الرئيس أوباما، جنبا إلى جنب مع الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، ورئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، مرارا وتكرارا للإطاحة بهذا الديكتاتور المستبد. الهدف واضح. ومستقبل ليبيا ستحدده حرب أهلية، حرب لدينا يد فيها على نحو غير قابل للجدل والمناقشة.

وفي حديث الشهر الماضي بجامعة الدفاع الوطني، قام الرئيس أوباما بالتفرقة بحذر بين أسلوب الإدارة الأميركية في ليبيا وتجربة أميركا في العراق. وفي إشارته إلى الإطاحة بالقذافي بالقوة، قال «كي أكون صريحا تماما، مررنا بذلك الطريق في العراق... لكن تغيير النظام هناك تطلب ثماني سنوات، وأودى بحياة الآلاف من الأميركيين والعراقيين، كما كبدنا خسائر قدرها نحو تريليون دولار. وذلك ليس شيئا يمكننا تحمل تكراره مجددا في ليبيا».

من ناحية، ليس من الواضح على الإطلاق ما إذا كان الرئيس سيتمتع برفاهية تحقيق أهدافه السياسية من دون اللجوء إلى استخدام مزيد من القوة أم لا. والأهم من ذلك أن بيان الرئيس يعكس سوء فهم جوهريا ربما تكون له عواقب وخيمة مستقبلا.

تغيير النظام في العراق لم يستغرق ثماني سنوات. فقد تحقق في غضون أسابيع. إنما ما استغرق ثماني سنوات كان إدارة نتائج تغيير النظام: العملية التي ما زالت مستمرة حتى يومنا هذا والممثلة في تحويل العراق إلى مجتمع قائم على نظام الحكم الذاتي وآمن بشكل معقول وديمقراطي.

ويثير العجز عن إدراك أن الجزء الأصعب في المهمة هو تغيير ما بعد الإطاحة بالنظام التساؤل حول ما إذا كنا قد خططنا للإجراءات التي سيتخذها حلف شمال الأطلسي (الناتو) وآخرون إذا نجحنا بالفعل في هدفنا السياسي الممثل في الإطاحة بالقذافي أم لا.

بالطبع، سيكون من المدهش أن يتبين لنا أن القيادة في هذه المرحلة الانتقالية ستتمثل في مزيج من أسلوب الرئيس الأميركي الأسبق توماس جيفرسون في القيادة وأفكار المفكر السياسي الآيرلندي إدموند بيركس الذي صاغ بشكل سريع دستورا يكفل الحرية والحقوق المدنية للجميع. وعلى الرغم من ذلك، فإن من لدينا الآن، والذين يتمتعون بنفس درجة الجرأة والالتزام التي ربما يتمتع بها ممثلو المعارضة الليبية، هم مجموعة من مسؤولي النظام السابقين والمفكرين غير المنتخبين في بنغازي، بالإضافة إلى المنشقين المنفيين الذين عادوا مرة أخرى إلى أرض الوطن.

علينا أن نعترف بأن الاحتمالية الفعلية لرحيل القذافي سيتبعها استمرار المقاومة العنيفة من قبل أنصاره أو تحقيق الثوار المنتصرين المزيد من النجاح بشكل دامٍ. ويشير تشبث قوات القذافي بالسلطة بعد شهر من تدخل حلف الناتو إلى أن القتال الحالي، الذين ينظر إليه بدرجة كبيرة على أنه صراع الديمقراطية ضد الظلم والاستبداد، ربما يكون له أساس قبلي خفي. ومع توفر أسلحة متاحة بشكل عام بسبب مخابئ الأسلحة التي يتمتع الطرفان بحق الوصول إليها، يمكن أن تكون جولة حرب قبلية ثانية نتيجة مشؤومة بالفعل.

في الأيام التي أعقبت مباشرة سقوط نظام صدام حسين، تحولت حالة السلب والنهب والفوضى بسرعة لتصل إلى حالة من التمرد. ولا يمكن استبعاد تلك النتيجة كنتيجة محتملة في ليبيا. وفي الوقت الذي كانت مصر تتقدم فيه نحو عملية انتقالية منظمة نسبيا للتحول إلى مجتمع مدني، كانت تلك العملية تخضع لإشراف قوة عسكرية نجحت في ترتيب خروج الرئيس السابق حسني مبارك من السلطة ووضعت إطارا منظما لإنشاء مؤسسات أكثر ديمقراطية. النجاح في مصر ليس مضمونا على الإطلاق، وربما يخفق الجيش في دوره الذي حدده لنفسه، غير أنها دولة ذات هوية قومية قوية وتاريخ قومي ومؤسسات وطنية قوية.

إذا سقط القذافي، سيكون ذلك نتيجة انهيار جيشه وكل مؤسسات القوة الوطنية الأخرى القائمة الفاسدة مثلما يمكن أن تكون. وعند هذه المرحلة، يكون من الصعب تحديد المؤسسة الوطنية القائمة التي يمكن أن تدير عملية انتقال الحكم في ليبيا.

ربما نحدث أنفسنا قائلين إن الإطاحة بالقذافي ستنهي مهمتنا. ويمكن أن يشير المتفائلون إلى حقيقة أن ليبيا أكثر تجانسا من الناحية العرقية والدينية من العراق، على سبيل المثال، لكنها أيضا أكثر قبلية من معظم المجتمعات العربية. ومع كونه حاكما وحشيا مثلما عرف عنه دائما، ما زال يتعين على القذافي احترام الديناميكيات القبلية للاحتفاظ بالحكم. هل الولايات المتحدة واثقة من أن الأحداث المهيمنة الحالية، الممثلة في صراع المنادين بالديمقراطية ضد الحاكم المستبد، ستستمر على السطح، وأنه لن تحل محلها أحداث أخرى مستترة مثل الصراع بين القبائل وبعضها أو بين الأثرياء والفقراء، أو الأسوأ من ذلك ما بين الإسلام و«المستعمرين الصليبيين» كما تطلق عليهم الحكومة الليبية؟

إذا تبعت الفوضى الإطاحة بالقذافي، هل سيكون المصلحون الاجتماعيون مستعدين للانتظار على أهبة الاستعداد في الوقت الذي تراق فيه الدماء في الشوارع؛ أم هل سيظهر الحكم الفوضوي أو سيحدث انحلال في المجتمع أو ستصبح الدولة ملاذا للإرهابيين أو ستنتشر المجاعات والأمراض؟ ومهما كانت وجهة نظر الفرد بشأن الحكمة من مواصلة جهود التحالف في ليبيا، تقتضي الحصافة أن نبدأ في التخطيط بجدية بشأن ما سيحدث عند نجاحنا في مهمتنا، بما في ذلك ما سيكون مطلوبا من جهد وموارد ووقت.

* تشيرتوف وزير الأمن الداخلي الأميركي من 2005 إلى 2009.. وهايدن مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية من 2006 إلى 2009 ومدير وكالة الأمن القومي من 1999 إلى 2005.

* خدمة «واشنطن بوست»