سراب الخروج من أفغانستان

TT

غابت أفغانستان عن العناوين الرئيسية للصحف خلال الأشهر القليلة الماضية، ربما لأن شتاءها يجمد أغلب العمليات القتالية، وربما لأن الثورات العربية طغت على الصراع هناك. ومع عودة دفء الطقس تعود الحرب والنقاشات بشأن سياسة أفغانستان إلى واشنطن من جديد، ويمكن تلخيص نقطة البدء كالتالي: بفضل القوات المسلحة الأميركية تم طرد طالبان من غالبية معاقلها الجنوبية منذ الصيف. إذن ستحاول طالبان خلال الأشهر القليلة المقبلة العودة إلى أفغانستان. وسيحاول الجيش الأميركي إحكام السيطرة على هذه المدن. وسيسعى الرئيس الأميركي وفريقه من الخبراء المدنيين جاهدين إلى البحث عن مخرج من أفغانستان. وسيكون على أوباما أن يقرر لاحقا عدد الجنود الأميركيين الذين سيسحبهم هذا الصيف للوفاء بوعده بأن يبدأ في يوليو (تموز) خفض عدد القوات التي طلبها أواخر عام 2009. وقد أورد راجيف شاندراسكاران، مراسل «واشنطن بوست» أن مساعدي الرئيس أوباما المدنيين يدفعون باتجاه إرجاء الموعد النهائي إلى خريف عام 2012 لسحب 30.000 من القوات التي أرسلها. ولماذا خريف 2012؟ فغالبية الأفغان يدركون أن الوقت لا علاقة له ببلدهم.

يبدو أن خفض عدد القوات الأميركية في أفغانستان سيأتي على الأرجح مصحوبا بمحاولة لدعم تسوية سياسية بين الحكومة الأفغانية وطالبان. وقد وعدت وزيرة الخارجية هيلاري رودهام كلينتون بتعزيز الجهود الدبلوماسية في سياق كلمتها في فبراير (شباط)، والتي خففت فيها من الشروط السابقة على المحادثات مع طالبان. ويقال إن الإدارة تدعم مبادرة تركية تسمح بموجبها لطالبان بافتتاح مكتب لها في تركيا ليوفر بذلك قناة اتصال واضحة.

ربما كانت فكرة التسوية السياسية السريعة مغرية. لكن هناك مشكلة واحدة، وهي الوهم. فليست هناك فرصة لعقد اتفاق قابل للتطبيق مع طالبان، ومحاولة عقد اتفاق معهم سيزيد من تعقيد الموقف السياسي في أفغانستان سوءا.

هذا ما ذكرني به عبد الله عبد الله، وزير الخارجية الأفغاني الأسبق، المقاتل من أجل حرية أفغانستان والمرشح السابق للرئاسة وأحد أقوى المدافعين عن الديمقراطية السياسية في البلاد، الأسبوع الماضي. كان عبد الله في واشنطن لعرض وجهة نظره بأن على الولايات المتحدة أن تواصل الاستثمار في بناء دولة أفغانية ديمقراطية.

وقال عبد الله خلال زيارة له إلى «واشنطن بوست»: «ما أخشاه أن يكون الاتجاه هنا هو أن تبعدنا الحملة العسكرية والمحادثات مع طالبان عن الساحة. وفي سبيل ذلك استنتج البعض أن الديمقراطية في أفغانستان غير مجدية أو أنها غير ممكنة على الإطلاق». يعلم عبد الله جيدا الأدلة التي يمكن تقديمها لتؤيد تلك النتيجة، فمنافسته حميد كرزاي في الانتخابات الرئاسية عام 2009 شابها الكثير من التزوير، لكن طبيب العيون السابق يشير إلى إيمانه بإمكانية تحقيق الديمقراطية في أفغانستان. وأن أفغانستان ديمقراطية أكثر قبولا من محاولة عقد اتفاق مع طالبان، والتي لم ترد حتى الوقت الراهن على الكثير من العروض. وقال عبد الله: «طالبان لا تقاتل هذه الحكومة كي تصبح جزءا من النظام. إنهم يحاولون هدم النظام».

ستكون باكستان التي وافقت على إنشاء مفوضية مع الحكومة الأفغانية لبدء محادثات سلام، عامل حسم في أي اتفاق. والاعتقاد السائد هو أن يقوم قادة الجيش الباكستاني بدفع قادة طالبان الذين هم على اتصال بهم لقبول السلطة في المناطق المأهولة بالبشتون وترك باقي البلاد تحت حكومة مثل الحكومة الحالية. لكن عبد الله يؤكد أن باكستان لا ترغب في وجود تسوية أفغانية، أيضا. فالمناطق التي ستسيطر عليها طالبان يمكن أن تتحول سريعا إلى قاعدة للجماعات الإرهابية الطامحة في الإطاحة بالحكومة في إسلام آباد. وقال: «يرغب الباكستانيون في امتلاك زمام القرار في أفغانستان، لكن كيف يرغبون في حدوث ذلك؟ أعتقد أنهم هم من يملكون الإجابة عن هذا السؤال». كرزاي الذي نشأ أكثر عدوانية تجاه الولايات المتحدة ربما يجد منفذا للتفاوض مع طالبان، وباكستان تفضل المزيد من الانتخابات. ويقول عبد الله: «الديمقراطية لم تعد ملائمة له»، لكن كرزاي بحاجة إلى الحليف الأميركي، والحقيقة أنه كان يسعى إلى التوصل إلى اتفاق رسمي مع واشنطن قد يلغي الدعم الأميركي لسنوات مقبلة.

لذا يقول عبد الله إن السبيل المثلى للتقدم إلى الأمام بالنسبة لإدارة أوباما هي مواصلة الاستثمار في المؤسسات الأفغانية. ويقول عبد الله: «ما ينبغي على الولايات المتحدة القيام به هو الوقوف بحزم عندما يتعلق الأمر بقضايا الحكم، وأن تدعم العملية الديمقراطية. وأن تضع بعض الشروط مقابل المساعدات، وألا تتراجع عن ذلك. أنا أعلم أن هذا صعب، لكن هذه هي الحقيقة. لا بد من مواجهة سلبية الحكومة الأفغانية في تعاملها مع العملية السياسية المحلية. هذه هي الحقيقة، إنها مشكلة طويلة الأمد. لكن للأسف لا يوجد مخرج لذلك».

* خدمة «واشنطن بوست»