هل أنا غراب شؤم؟!

TT

في رحلة من رحلاتي التي لا تنتهي، تعرفت في الفندق الذي أقطنه برجل وامرأة، كانا من ألطف الناس وأجملهم، وقضيت معهما ثلاثة أيام كانت من أمتع الأيام، فكل يوم كنا نفطر في المطعم معا، ونذهب للحدائق معا، ونسهر معا، ونتصور معا، وافترقنا على أمل اللقاء في القريب العاجل، وبحكم أنني من هواة التصوير في رحلاتي فقد انتقيت لهما صورا حميمة كانت تجمعهما، خصوصا وهما (متعابطان) في (الديسكو)، وأرسلتها بالبريد (المستعجل) على عنوان الرجل لكي أبدو أمامه كأي رجل متحضر و(جنتل مان). وفي ثالث يوم إذا به يتصل بي على تليفوني الجوال، فرددت عليه معتقدا أنه سوف يشكرني، وإذا به يخاطبني وهو يرعد ويزبد ومن دون أي سلام قال لي: الله يخرب بيتك مثل ما خربت بيتي يا بعيد.

الواقع أنني (انصدمت) فقلت له مقاطعا: أعوذ بالله، لماذا أنت تخاطبني هكذا، فأنا لا أتمنى لك إلا كل خير وأنت تعرف ذلك.

قال: خير إيه و(هباب) إيه؟!، مين أساسا طلب منك أن ترسل لي الصور؟!، هل أنا شكيت لك؟!، هل أنا توسلت لك؟!، هل وهل وهل؟!، فقاطعته مستصيبا قائلا له: هون عليك يا أخي، هل أنا (غلطت بالبخاري)؟!

قال: يا ليت، ولكنك دمرت حياتي فعلا، الله لا يسامحك لا في الدنيا ولا في الآخرة، وإنني ألعن اليوم الذي عرفتك فيه يا غراب الشؤم، ثم أغلق الخط في وجهي دون أن يسمع حتى ردي.

وعرفت فيما بعد أن الإرسالية تلك وقعت في يد زوجته وهي التي فتحت المظروف وشافت فضائح الصور، وكان هو قد كذب عليها قائلا لها: إنه سوف يذهب في رحلة عمل لمدة أربعة أيام كلفته فيها الشركة التي يعمل بها، وتيقنت بعدها من صدق المثل القائل: ليس لكل مجتهد نصيب.

***

بينما كنت أقود سيارتي في الظهيرة وفي (عز القيالة) وإذا بسيارة تحاذيني وسائقها يؤشر لي بيده مسلما وضاحكا، ورددت على سلامه بابتسامة مجاملة صفراوية، غير أنه لم يكتف بالسلام من بعيد ويذهب في حال سبيله، ولكنه عندما تجاوزني أوقف سيارته بجانب الرصيف ونزل منها، وتأدبا مني أوقفت سيارتي كذلك ونزلت منها مغلقا الباب خلفي، وأخذني هو بالأحضان، ولا أكذب عليكم أنني استغربت من حماسته هذه، خصوصا أنه لم يجمعني به سوى مجرد معرفة سطحية، فليس بيننا أي صداقة أو مصلحة، وبعد دقيقة من الأحضان والعرق الذي (يشرشر) من خده (المربرب)، ودعني وركب سيارته وانطلق بها (مفحطا) أمامي. وعندما عدت لسيارتي وأنا أمسح وجهي بطرف (شماغي) من آثار عرقه الغزير، إذا بباب السيارة لا يفتح، ووقفت مفجوعا وحائرا، واتضح أنني عندما نزلت منها كنت قد ضغطت على أزرار إغلاق الأبواب دون أن أفطن.

ووقفت كأي لاجئ أمام باب سيارتي التي ما زال محركها يهدر، والشمس تصهد رأسي بأشعتها التي لا ترحم، ولم أملك إلا أن أستقل أول (تاكسي)، وذهبت إلى منزلي وأخذت المفتاح (الإسبير)، وعدت مرة ثانية في نفس التاكسي، وما أن وصلت إلى المكان حتى وجدته خاليا وأن سيارتي قد تبخرت.

واتضح أخيرا أن مرور السير وجد سيارتي متوقفة بالمكان الغلط، وشكوا فيها وكسروا الزجاج الأمامي وفتحوا بابها عنوة، وسحبوها إلى المركز. وعندما ذهبت إلى هناك لكي أخرجها، بدأوا معي بموال (سين وجيم) الذي لم ينته إلا بعد أن سمعت مؤذن المسجد المجاور يرفع عقيرته لصلاة العصر قائلا: الله أكبر، و(زاد الطين بلة) أنني فوق ذلك كله دفعت غرامة مالية.

[email protected]