الحجاب الليبرالي!

TT

بينما الناس حول العالم يتابعون العرس الملكي البريطاني وزفاف الأمير ويليام على عروسه الشابة كيت ميدلتون، كان تركيز الكثيرين على فستان العروس وطرازه ومصممه، وعند دخول الأميرة الحسناء وطلتها على الناس كانت ترتدي فستانا أنيقا وطرحة تغطي به وجهها. ولم يتمالك الناس من التمعن في مشهد إعجاب المتابعين «بالطرحة» في ذات القارة التي خرج منها قانون يحرم ارتداء غطاء آخر للوجه تحت مسمى «النقاب» أو «البرقع» وكان أساس الخلاف هو الغاية من نفس قطعة القماش وتوظيفها، فهل سيقبل هذا الزواج بنفس هذه المراسم والطقوس والأزياء في فرنسا اليوم مثلا بعد إقرار نظامها الجديد أم أن العروس ستكون عرضة لدفع غرامة مالية مثلا؟ سؤال افتراضي ولكنه وجيه، بقدر ما تنظر بعض الدول للحجاب بأنه «ردة» للخلف وعودة للجهل بقدر ما تنظر إنجلترا وأميركا على سبيل المثال (وهما المنتميتان للثقافة الأنجلوسكسونية التي تحترم وتدافع عن الحقوق والحريات الفردية بقوة)، فبالتالي حماية حق ارتداء الحجاب أو النقاب هي جزء من الليبرالية أو كما قالت إحدى المحجبات في الولايات المتحدة الأميركية «إنني أشعر بقدر هائل من الليبرالية وأنا أمارس حقي وحريتي في ارتداء الحجاب دون اعتراض أو مضايقة» وهو على العكس تماما مما يحدث اليوم في فرنسا وهولندا وبلجيكا وإيطاليا على سبيل المثال لا الحصر.

النقاب أو الحجاب بات النقطة الضعيفة في حوار الحضارات بين المسلمين وغيرهم؛ فبينما ينظر الغرب إلى هذا «الزي» على أنه «مظهر تخلف وجهل» وبالتالي تقام وتشرع وتبرر ضده ممارسات إقصائية وعنصرية (كما حدث مؤخرا في إحدى الدول الغربية عندما تعرضت راهبة كاثوليكية لموقف محرج حينما طلب منها الخروج من مكان ما بحجة أن زيها يمثل الإسلام المتطرف!). حتى داخل العالم الإسلامي نفسه هناك صراع فقهي لا يمكن إغفاله في تعريف النقاب وموقعه في التشريع، فانقسم الناس بين أغلبية تراه عادة وأقلية تراه عبادة، وبالتالي هناك حديث مثير للاهتمام في الشرق والغرب في حق العبادة والتقيد بالحجاب الكاشف للوجه بدلا من تغطيته في بعض الدول الإسلامية وبين حرية ارتداء النقاب وممارسة الحرية الشخصية البحتة في ذلك في بعض الدول الغربية. الموضوع يتخطى التعاطي مع قطعة قماش وتوظيفها الأمني والسياسي والحضاري والثقافي في دولة ما أو مجتمع ما، ولكنه يصل لقناعة وممارسة العدل والمساواة دون حكم مسبق، وهو المأزق الكبير الذي يتعرض له المشرع سواء أكان في الغرب أم في الشرق في تطبيق مفهوم الانفتاح على الحرية الشخصية طالما أنها لا تخالف النظام والقانون والشرع العام، لأن مخالفة ذلك هو إدخال عنصر الحكم الشخصي المتطرف على مسألة بسيطة، وإسقاط منطق متسلط على موضوع في غاية السهولة.

جدل النقاب والحجاب والحقوق والحريات هو «مأزق» بين في حوار الحضارات وحوار الأديان، ولن يكتب له العدل في الطرح دون التطرق إلى موضوع الحرية والكرامة الفردية التي أمنتها الأديان وكرستها القوانين دون عنصرية، ودون تمييز كرسه الإنسان.

[email protected]