النهج الأحادي لن يفضي إلى شيء

TT

منذ عامين، حال إنشاء مجموعة العشرين دون تحول الركود العالمي إلى كساد عالمي. ووافق قادة العالم على تعزيز الاقتصاد العالمي بتريليون دولار، ودعم البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية. لكن مجموعة العشرين وعدت في بيانها الختامي بتقديم المزيد، وهو العمل على تطبيق معايير ولوائح عالمية جديدة في النظام المصرفي العالمي ليكون بذلك أساس اتفاق نمو عالمي يهدف إلى تحقيق المزيد من الرخاء وتوفير المزيد من فرص العمل خلال العقود المقبلة.

وبعد مرور عامين، يبدو أن ما يطلقون عليه اليوم اسم «النمط أحادي الجانب» أصبح النظام الذي تسير وفقه الأمور حاليا. لقد مرت الأزمة ورغم القيادات الرائعة في مؤسساتنا الدولية والمبادرات العالمية الجريئة التي أطلقها بعض الشخصيات القيادية في البلاد، تقوقعت الكثير من الحكومات داخل محيطها المحلي. لا يمكن أن نوافق بأي حال على اتفاق النمو العالمي، كذلك تجمدت اتفاقية التجارة العالمية مرة أخرى، وهو ما يعرض أول اتفاقية تجارة مخططة منذ عام 1948 للفشل. وحتى بعد الأزمة النووية في اليابان وتذبذب أسعار النفط، لا يكفي الزخم إبرام اتفاقية خاصة بالتغيرات المناخية العالمية.

ماذا حدث إذن؟ لا يوجد أي خلاف على ضرورة التعاون. بالفعل يواجه العالم العام الحالي تحديات مستمرة جديدة، منها نقص الغذاء وزيادة أسعار السلع والبطالة بين الشباب والاضطرابات الاجتماعية وعدم التوازن حتى مع عودة التضخم. لم يعد البعض يتحدث حاليا عن أزمة، بل عن أزمات تفرز باستمرار، ولا يمكن معالجتها بسهولة إذا ظلت كل دولة تتصرف على حدة.

ترابط عالمنا يعني أن مشكلاتنا لم تعد مشكلات مشتركة بيننا وحسب، إنما مشكلات عالمية متداخلة ومتشابكة لا يمكن معالجتها إلا من خلال جهد جماعي منظم من مختلف الدول. وقد أوضح صندوق النقد الدولي بالفعل أننا ربما نكون في وضع يسمح لنا بزيادة النمو العالمي بنسبة 3 في المائة بحلول عام 2015 وتوفير ما بين 25 و50 مليون فرصة عمل في حال تم تحقيق التعاون بين دول العالم الذي وعدت به مجموعة العشرين عام 2009.

لكننا بحاجة إلى تنسيق دولي أفضل ليس فقط من أجل معالجة مشكلات الحاضر، بل أيضا لمواجهة تحديات المستقبل التي ستفرزها الثورة القادمة في الأسواق العالمية. من المؤكد أن هذا الجيل يرى نفسه في وضع فريد، وهو بداية أكبر تحول في تاريخ الاقتصاد العالمي.

خلال العشرين عاما الماضية، انضم ملياران من الرجال والنساء إلى مجال الإنتاج الصناعي مما زاد من حجم الاقتصاد العالمي القائم على الصناعة بمقدار ثلاثة أمثال. ومن المتوقع أن تزداد هذه الثورة من خلال انضمام ملياري شخص على الأقل إلى الطبقة المتوسطة خلال فترة تتراوح ما بين 10 و15 سنة وتعد هذه الزيادة أكبر من العدد الحالي بمقدار ثلاثة أمثال. وسيقابل التغير الحالي في قوة الإنتاج تغير في قوة المستهلك، وسنرى هذا التحول ونشعر به في حياتنا وفي رسم حظوظنا بقوة لا تقاوم. فعلى سبيل المثال، لن تكون أكبر سوق في العالم في أميركا، بل في آسيا، ومن المتوقع أن تنمو بنحو 40 في المائة من إجمالي إنفاق المستهلكين، أي ضعف حجم السوق الأميركية وأكبر كثيرا من السوق الألمانية (بمقدار 4 في المائة) والسوق البريطانية (بمقدار 3 في المائة).

من المستفيد الأكبر من هذه التغيرات إذن؟ مع الانفتاح الصحيح في عالم التجارة، يمكن أن تقدم العلامات التجارية الأوروبية والأميركية ذات القيمة المضافة المرتفعة والقائمة على التكنولوجيا، المنتجات والخدمات التي توائم رغبات المستهلك ومحركات تدفع نحو النمو والعمل مع زيادة الطلب على هذه المنتجات والخدمات في آسيا ومناطق أخرى تشهد زيادة في قوة المستهلك مثل البرازيل وتركيا وإندونيسيا، فضلا عن أجزاء من أفريقيا. لكن دون تعزيز التعاون الدولي، لن يكون الغرب في أفضل وضع يتيح له التمتع بمزايا هذه التغيرات.

سوف نضيع واحدة من أعظم الفرص الاقتصادية لرفع مستوى المعيشة إلى أعلى مستوى، إذا لم نحافظ على الوجود في السوق من خلال اتفاق عالمي.

وهناك أسباب أخرى تجعل من التعاون الدولي ضرورة. ويبدو العالم مستعدا لنسيان الدروس المستفادة من الأزمة المالية، وهناك خطر من أننا ننثر بذور الأزمة المالية القادمة. إذا لم يتم التوصل إلى معايير مالية عالمية مع اتجاه كل قارة ودولة حاليا إلى القاع، ستواجه المؤسسات المالية خطر التدني إلى الأسوأ فالأسوأ.

وبطبيعة الحال إذا استمرت هذه التوجهات وظلت الأسواق مقتصرة على دولة بعينها أو تعمل بعشوائية وطريقة غير ملائمة، سيزداد عدم المساواة في العالم، وخاصة في الهند والصين وإندونيسيا والبرازيل وروسيا، وستصبح قارة أفريقيا أكثر عزلة.

إن سخط الشعوب في دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط بسبب الأوضاع الاقتصادية لن ينتهي دون دعم دولي. إن تعزيز التعاون ضروري للمساعدة في عدم تفاقم المشكلات التي تتسم بالبدائية في الدول الفقيرة وتحولها إلى أزمات قد تمثل تهديدا لأمن كل شعوب العالم، وكذلك استقرارها من خلال الهجرة الجماعية. وإذا لم تتدفق الاستثمارات لدعم المشاريع الرائدة في أفريقيا للمساعدة على تحقيق التنمية الاقتصادية والتعليمية، ستصبح المنطقة مصدرا لموجة جديدة من الهجرات والتغيرات المناخية والأزمات الأمنية التي تمثل تهديدا لنا جميعا.

تقع مسؤولية تحقيق التعاون الدولي اليوم على عاتقنا جميعا. نحن بحاجة إلى توضيح مزايا التوظيف التي سيحققها وضع خطة نمو عالمي. كثيرا ما تقلل مؤسسات المجتمع المدني مثل الكنائس والمجموعات العقائدية من قيمة أصواتها التي ينبغي أن تدعو إلى اتخاذ موقف ضد الفقر والبطالة. ينبغي على تلك المؤسسات أن تكون شريكا أقوى في العمل الذي يحتاج إلى التخلص من الشعور بعدم اليقين في عالم يواجه مخاطر كثيرة، فمثلا البيئة المستقرة تتحقق من نظام مصرفي نظيف يعمل وفق المعايير العالمية.

وهناك فوائد أخرى. وذلك عندما نعمل على وضع حد لتذبذب أسعار الطاقة والعمل بنظام فعال على زيادة إنتاج الغذاء وخفض أسعار السلع الغذائية، وعندما نتخذ خطوات فاعلة لخفض معدل البطالة. يحتاج تعزيز التعاون الدولي إلى قيادة ائتلافية قوية تضم مؤسسات تجارية ومنظمات غير حكومية ومؤسسات دولية وشخصيات عامة ليعملوا معا على القضايا العالمية. ويحاول المنتدى الاقتصادي العالمي تحت قيادة كلاوس شواب، وهو من المقربين إلى الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، دعم هذه الفرصة اليوم من خلال رؤيته في قمة العشرين ليسير بذلك على نهج الرئيس أوباما عام 2009. هناك الكثير من «النمط أحادي الجانب» حاليا، ولن ننجح من دون تحقيق التعاون الدولي. لقد حان وقت رفع سقف طموحاتنا فيما يمكن أن يحققه هذا التعاون.

* رئيس الوزراء البريطاني السابق ومؤلف كتاب «ما وراء الانهيار: التغلب على الأزمة الأولى للعولمة»