اقلبوا الصفحة وارموا الكتاب!

TT

قتل أسامة بن لادن. خبر عاجل ومؤتمر صحافي في ساعة متأخرة من الليل للرئيس الأميركي باراك أوباما يعلن فيه الخبر للعالم. ردود الفعل العربية الشعبية تفاوتت، فهناك من لا يصدق بأنه هو الذي مات، لأنه، في نظرهم، «ميت من قبل»، لأن غيابه الطويل عن الظهور غير مفهوم لهم. وطبعا بدأت نظرية المؤامرة تنسج بشتى صورها وأشكالها وتشكك في الرواية نفسها والصور التي تم بثها (مع العلم بأن الصور سربت من الجهات الباكستانية وليست من الأميركان). وهناك فريق آخر غير مهتم وغير مكترث، لأن أسامة بن لادن و«القاعدة» هم من الماضي بالنسبة له، ماض مضطرب وقلق، أما اليوم، فهناك البوعزيزي وحراك الحرية، وهذا هو الأنفع والأجدى والأهم.

بالنسبة لأوباما، هي ضربة معلم سيتم استثمارها إلى أقصى درجة، وقد تكون لحظة إعلانه عن الخبر هي نقطة الحسم التي ستؤمن له إعادة الانتخاب مجددا، لأن الناخب الأميركي سيعتبر ما أنجزه أوباما نصرا واقعيا على أيقونة الإرهاب بدلا من الدجل الذي كان يروج له جورج بوش بغزوه العراق بالحجة ذاتها، فأباد من العسكر الأميركيين وغيرهم أكثر من ضحايا أسامة بن لادن نفسه! ومع ذلك، يبقى بوش وجماعة المحافظين الجدد دون حساب ولا عقاب.

تنظيم القاعدة وزعامته أصبح، تاريخيا، جدليا ودمويا يفضل أن ينظر إليه العرب والمسلمون بكثير من الندم والمراجعة الجادة. غابت «القاعدة» وزعامتها عن أهم أحداث التغيير والحراك الشعبي الذي يعيشه العالم العربي.. رياح ربيع العرب التي هبت بنسائم الحرية وحركت الأمم وكسرت حواجز الخوف بشكل سلمي من الشباب. «القاعدة» تحيا وتعيش وتتوالد في مستنقعات الاستبداد والظلمات، ولكن لا يمكن أن تظهر في شمس الحرية، لأن المجتمعات الحرة لا يمكن أن تقبل الشاذ فيها.. الشاذ الذي سيهدد وجودها وسويتها.

تجاوز العالم العربي والإسلامي «فكر» أسامة بن لادن، وهذا الفكر يعيش حالة «حشرجة» عنيفة تحولت إلى فزاعة ترفضها المجتمعات كافة حول العالم بما فيها المجتمعات الإسلامية، لتنضم إلى العنصرية والشيوعية والصهيونية، كأعداء للبشرية بإجماع الناس. «القاعدة» نجحت في تخويف الناس، وولدت عند الكثيرين من المسلمين حالة هائلة من المراجعة الكبرى للأفكار والفتاوى والآراء، وهذا في حد ذاته مسألة صحية جدا ستولد مجتمعات مسلمة أكثر قدرة على فهم دينها ومعرفته بدلا من حصر تلك المعرفة في شخصيات بعينها دون غيرها.

المسلمون لا يزال عليهم جهد كبير في استمرار تنقية مراجعهم وكتبهم ومشايخهم من السموم الموجودة في بعض ما قالوا، تماما كما فعل الألمان بعد الحقبة النازية عندما نقحوا تراثهم كافة من كل ما له علاقة بالرايخ الثالث والفكر النازي. «القاعدة» ستنشغل بمن سيخلف أسامة بن لادن، وسيبحث هذا الأمر بدقة، وتراجع فيه مسائل «مهمة» مثل الأصل والجنسية وغير ذلك من العلامات الموجودة في الثقافة العربية أو بعض منها.

أوباما سيستثمر هذا الحدث لأقصى درجة، وبين الاثنين، هناك عرب ومسلمون عليهم الالتفات لأنفسهم والدفاع عن آمالهم وطموحاتهم والحفاظ على ما اكتسبوا من حراك عظيم في ربيعهم المبهر، والأهم أنهم «اكتشفوا» دينهم مجددا وعرفوا أن لا مكان لـ«القاعدة» وأشكالها فيه، ولكن دينهم متسامح وفيه عزة وكرامة وحرية، وأي طرح آخر هو بدعة. أسامة رحل، والبوعزيزي باق. أي الرجلين سيفوز؟ بلا نقاش، البوعزيزي!

اقلبوا الصفحة وارموا كتاب «القاعدة» ورجالاتها! يعامل موت بن لادن في الإعلام العربي وكأنه رئيس دولة قد رحل، والخوف من أنه مع انشغال الناس بذلك، تدفع درعا ومصراتة الثمن.

[email protected]