هس.. اخفض صوتك

TT

متعت النفس أمس في جولة على «آثار ما بين النهرين» في متحف أبوظبي. ساعتان من تأمل بعض آثار الحضارات السومرية والآشورية والبابلية. منحوتات جميلة: كأنها حفرت في هذا العصر، وجواهر وأساور مزينة كأنها صنعت اليوم. ولوحات بالحرف المسماري تؤكد ما كانت عليه الحياة من دقة وتنظيم قبل 3 آلاف عام.

أجمل من الآثار كان المتحف الفسيح. وعلى مدخله الرائع صور لزايد، يوم الديرة فقر والرجل المؤسس من عام 1958 يضع فوق ثوبه سترة إفرنجية بسيطة، لا عباءة. وذلك يوم وهذا يوم. والمركز الثقافي في السعديات شريك مع المتحف البريطاني (منه جاءت تحف العراق) ومتحف اللوفر ومتحف غوغنهايم للفن الحديث.

كنت أتأمل 5 آلاف عام من التاريخ، منبهرا بما أرى، خائفا لما أسمع. ليس أسوأ من نذير لمنطقة من تزاحم المراسلين الأجانب. ولم يبق مراسل في العالم إلا وجاء إلى الشرق بحثا عن تكريس اسمه ورفع مكافأته المادية. إنه مشهد لا سابق له في تاريخ الأحداث: غليان غامض، مختلف الأسباب، متفاوت الحرارة في سبع عواصم عربية دفعة واحدة. خبر يزيح خبرا من الطريق. رئيس مصر في السجن، ورئيس ليبيا يدك مدنه بالمدافع، ورئيس اليمن يتحدث عن الديمقراطية وكأنه أفلاطون في أثينا أو أرسطو يحدث تلامذته قبل أن ينتحر من أجل الحقيقة. ثم جاء خبر بن لادن فخطف الشاشات من الجميع.

يقول بابلو كويللو في «الخيميائي» إن ما يحدث مرة لا يتكرر أبدا. لكن ما يحدث مرتين يتكرر على الدوام. طائرتان ضربتا مرتين أعلى برجين في نيويورك. أراد بن لادن، كما أعلن بعد ذلك، إذلال الاقتصاد الأميركي بضرب أعلى رموزه. وأراد ضرب القوة الأميركية بضرب البنتاغون. لكن الحرب كان ينقصها شيء من التكافؤ، كما دلت الحادثة الشديدة الغموض في ضواحي إسلام آباد، حيث يعيش رجل كان يفترض أن يخشى وشاية البوابين أو السائقين أو السعاة وحتى أحد أفراد العائلة.

أجمل ما رأيته في متحف السعديات لم يكن نقوش سومر وبابل بل صورة أبوظبي كما ستكون عليه عام 2030 وقد كتب فوقها قول لزايد: «من لا ماضي له لا مستقبل له». يروى عن صحافي لبناني اشتهر بالسخرية والتجرؤ، أنه قال مرة للشيخ زايد: «نحن هنا بدل أكسفورد».

سوف يخجل من نفسه اليوم: اللوفر والسوربون ومعرض بيكاسو، فيما البلد المتحضر الذي جاء منه، عاجز عن تشكيل حكومة.

الدليل الشاب في المتحف عرض علينا القطع الأثرية التي تدل على أن الحضارة السومرية امتدت إلى «العين». قلت له: اخفض صوتك. غدا يطالبون باستعادتكم.