بن لادن.. موت الجسد والصورة

TT

في عام 2003 شاهدنا صور إلقاء القبض على العقل المدبر لهجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) خالد شيخ محمد في باكستان، وظهر الرجل مشعثا متردد الحركة.. وحين اعتقل صدام حسين وزع الجيش الأميركي تلك الصور الشهيرة لصدام ملتحيا ومغبرا وقليل الحيلة ومطوقا بجنود أميركيين يفحصونه ويهينونه أحيانا أخرى.. بعد ذلك بأشهر قتل عدي وقصي صدام حسين، ونشر الجيش الأميركي صورا للرجلين مقتولين لتأكيد موتهما، ولم تنفع عمليات التجميل التي أجريت على جثتي الرجلين لامتصاص الانتقادات التي رافقت نشر صورهما على النحو الذي تم. كان هدف عرض الصور على الرأي العام هو تأكيد اعتقال صدام حسين وخالد شيخ محمد ولاحقا مقتل نجلي صدام. تكرر الأمر مع نشر صور أبو مصعب الزرقاوي بعد مقتله في غارة أميركية في العراق.

نشر تلك الصور حمل رسالة واضحة؛ «العدو» انتهى وهزم، وهزيمته تمت على يد جنود أميركيين.

أريد من النشر تثبيت إنجازات، لكن تلك الإنجازات ما لبثت أن تحولت إلى انتكاسة في صورة الإدارة الأميركية آنذاك التي ظهرت انتقامية لا تبالي بحرمة الموت، وبعيدة عن مبادئ العدالة المنشودة.

اليوم تغير مسار الأمور كثيرا.

فمع «تويتر» و«فيس بوك» اللتين تمدان ثورات الشارع العربي بزخم هائل يمكن بسهولة أن تنتشر صورة زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن ميتا كالنار في الهشيم، ولا أحد يمكنه أن يضمن كيف ستستعمل تلك الصور ومن سيكسب معركة الرأي العام من خلال نشرها.

لم تنشر الإدارة الأميركية صورا لابن لادن مقتولا، والصور التي وزعها التلفزيون الباكستاني «جيو» ثبت لاحقا عدم مصداقيتها. وبعناية تامة، نشرت صور القصر الذي كان يسكنه بن لادن قرب إسلام آباد. وبعيدا عن الإعلام، أقيمت لابن لادن مراسم دفن إسلامية ورمي جثمانه في البحر كي تتيقن الإدارة الأميركية أن قبره لن يتحول إلى موقع رمزي. إذن، يبدو أننا أمام مقاربة إعلامية جديدة في الإدارة الحالية يبدو فيها أن هناك من لم ينس الضرر الذي لحق بالإدارة السابقة من خلال سوء إدارتها الإعلامية لعمليات أمنية لأشخاص ينبغي فعلا وضع حد لضررهم وجلبهم للعدالة.

نحن اليوم متروكون لسيل من الصور القديمة التي كانت كرست أسطورة بن لادن قبل أن يأفل نجمه ويتحول إلى رمز لا دور له. تبدي إدارة الرئيس باراك أوباما في إدارتها الإعلامية لعملية استهداف بن لادن حذرا كبيرا في عرض الصور، حتى لصور إدارة العملية التي تمت والتي شارك فيها أوباما بنفسه.

لن يكتمل مشهد القضاء على بن لادن قبل أن نشاهد العملية كاملة.. الزمن لم يعد يسمح بغير ذلك. الصور بحوزة الإدارة الأميركية، إذن لن يفيد حجبها، ونشرها لن يشكل خطرا من إعادة انبعاث صورة الرجل. صور عملية إعدام صدام حسين أظهرت كيف كان الإعدام طقسا ثأريا، لكنها لم تترك أثرا يذكر.

لقد قتل بن لادن، وأي صورة ستنشر لاحقا لن تعيده إلى الحياة.

diana@ asharqalawsat.com