قانون الحياة وقانون الموت

TT

بعد ظهر الثلاثاء أصغيت إلى إذاعة «إم بي سي» لبرنامج حول مقتل أسامة بن لادن، استضاف مجموعة من السادة الذين لم أستطع أن أدون أسماءهم لأنني كنت في الطريق إلى مطار أبوظبي. اختلفت الآراء وتفاوتت. وانتقد سيد من مصر أن تفاخر دولة بقتل فرد وأن تحرمه حق التراب. إلا أن اعتراضه الأكبر كان على قصف بن لادن بصاروخ.

قبل أن أبدي رأيي، من الضروري أن أذكر بما كتبت يوم وضعت أميركا صور المطلوبين العراقيين على ورق كوتشينة، وماذا كتبت عندما وضع دونالد رامسفيلد ملصقا على طريقة أفلام الكاوبوي «مطلوب حيا أو ميتا»، وماذا كتبت عن الطريقة التي حوكم بها صدام حسين وأعدم. وخلاصة القول دوما إنه لا يمكن للدول أن تخالف القوانين، لا قوانين الحياة ولا قوانين الموت، في مجال ملاحقة الخارجين على القانون.

أما الاعتراض على قصف منزل بن لادن العائلي بصاروخ، فثمة ما كان أكثر فظاعة منه بكثير، أي خطف طائرات مدنية لا شأن لمن عليها بأي قضية ثم استخدامها لضرب وإحراق آلاف الرجال والنساء الذين شاهدنا صورهم يرمون أنفسهم من أعلى البرجين، مفضلين الموت بالسقوط على الموت بنار الفكر الانتحاري في محاربة الغرب.

لم يكن بن لادن مسؤولا فقط عن ذلك، بل كان مسؤولا، بصورة مباشرة أيضا، عن تحريض جورج بوش على ضرب أفغانستان وضرب العراق. وكان يفاخر بالخسائر التي ألحقها بالاقتصاد الأميركي ولم يفكر لحظة واحدة بالخسائر التي ألحقها بفقراء العالم العربي والإسلامي. رأى بن لادن أن المعركة مع الغرب معركة صيد دموي. يترصدهم ويتعقبونه. سباق بين الحزام الناسف و«الدرون»، الذي كتبت عنه الزميلة هدى الحسيني الأسبوع الماضي، وأيهما أقل أخلاقية وأقل جدوى وأكثر عدمية؟

أيهما أقسى: أن «يفاخر» باراك أوباما بقتل أسامة بن لادن، أم أن يفاخر أسامة بن لادن بقتل 5 آلاف أميركي كان يريدهم في الأصل 50 ألفا؟ يجب أن نعيد النظر في أساليبنا لا في قضايانا. كما يجب أن تتوقف الجماعات قليلا لكي تتأمل هي ما أخذت إليه وفي ما وصلت إليه وفي ما صرنا عليه. قام أسامة بن لادن برحلة سرية وغامضة من الخرطوم إلى قندهار إلى ضواحي إسلام آباد، ومعه بنادق وأحزمة ناسفة وطابعة اسطوانات ملونة. وخارج عزلته في الجبال أو في الضواحي كان يعيش خلف أسوار عالية فيما العالم الخارجي يتقدم ويتطور ويمضي إلى الأمام. عاش في عالم افتراضي يقوم على عنصر واحد هو القوة والدماء. وسقط في القوة والدماء، بعيدا عن العالم الحقيقي، الذي يستخدم المال لنشر العلم وإقامة المدارس وبناء المساكن والمستشفيات.

أريد الاعتذار إذ أقول إنها لحظة ليس لنتأمل في موت أسامة بن لادن بل في حياته وفي ظاهرته وفي ما تركت من آثار، ومن ضرر.