كيف عثرت الولايات المتحدة على بن لادن وقتلته؟

TT

يظهر الهجوم على أسامة بن لادن - في عملية سريعة وقوية مثل العمليات التي تشاهدها في أي فيلم عن الجاسوسية - أن وكالة المخابرات المركزية وقيادة العمليات الخاصة المشتركة فائقة السرية والتابعة للجيش قد اتحدا ليكونا ما يرقى إلى أن يكون آلة قتل بالغة الفعالية.

ويتم اختزال هذه العمليات في ثلاثة أشياء: «العثور على الهدف، وتحديده، ثم القضاء عليه». وتقوم وكالة الاستخبارات المركزية وغيرها من وكالات الاستخبارات بأول خطوتين. ويبين الهجوم على بن لادن أن هذه العملية قد تستغرق سنوات من العمل السري الدؤوب، ثم يأتي بعد ذلك دور قيادة العمليات الخاصة المشتركة «للقضاء على الهدف». يظهر هذا الدمج مدى ملاءمة عمل أطراف سياسة مكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة بعضها مع بعض، كما يلقي الضوء على واحد من أكبر الألغاز المحيرة في وكالة الاستخبارات المركزية، وهو ما إذا كان بمقدورها العمل بشكل فعال مع جهاز الاستخبارات الباكستاني، ويبدو أن الإجابة هي: «في بعض الأحيان».

بدأت العملية التي أدت إلى الوصول إلى مخبأ بن لادن في مدينة أبوت آباد، نحو 75 ميلا إلى الشمال من إسلام آباد، بين عامي 2002 و2004، من خلال استجواب وكالة الاستخبارات المركزية «لأهداف ذات قيمة عالية» من تنظيم القاعدة، في مواقع سرية تابعة لوكالة الاستخبارات المركزية في الخارج، حيث ذكر عدد من المعتقلين «الاسم الحركي»، أو كنية واحد من رسل بن لادن. وتم عرض بعض المعتقلين الذين أكدوا الاسم الحركي للرسول على «تقنيات استجواب متقدمة»، وهو الاسم الرسمي الذي تطلقه وكالة الاستخبارات المركزية على ما يتم النظر إليه الآن على أنه تعذيب، وهو ما يضيف غموضا أخلاقيا لهذه القصة، التي يفترض أن تكون انتصارا لقيم العدالة. أمضت وكالة الاستخبارات المركزية سنوات وهي تحاول الكشف عن هوية رسول بن لادن، ومن خلال استخدام مصادر لن يكشف عنها المسؤولون الأميركيون، توصلت الوكالة أخيرا إلى اسم الرسول في عام 2007، جنبا إلى جنب مع حقيقة مهمة، وهي أن الرسول كان له شقيق. وفي أوائل عام 2009، قام فريق من مركز مكافحة الإرهاب التابع للوكالة بتتبع الرسول إلى مجمع سكني في أبوت آباد يسكن فيه هو وشقيقه.

ولم تعلم باكستان سوى القليل عن مطاردة بن لادن، خوفا من تسرب المعلومات، ولكن صرح مسؤول أميركي أن الباكستانيين قد عرضوا بعض المساعدة. وأضاف: «لقد قدموا معلومات ساعدتنا في تحديد مكان قد يكون أحد الشقيقين موجودا به. لم يخبرونا أنه كان في أبوت آباد، ولكن المعلومات التي قدموها لنا ساعدتنا في أن نقتفي أثره إلى هناك».

والآن تشك الوكالة في مكان وجود بن لادن، ولكنها ليست متأكدة من ذلك، وأكدت المراقبة أن هذا المجمع السكني كان غير عادي، حيث كانت الجدران المحيطة به ترتفع إلى أكثر من 18 قدما، وحتى جدران الشرفات كان ارتفاعها يصل إلى 7 أقدام، وكان المجمع يتمتع بنظام أمني غير عادي، فلا يوجد به خدمة الهاتف أو الإنترنت، ويقوم بحرق القمامة بانتظام. واصلت وكالة الاستخبارات المركزية رقابتها، وخلص المحللون إلى أن عائلة أخرى كانت تعيش سرا في المجمع السكني، جنبا إلى جنب مع الشقيقين، وتطابق عدد أفراد الأسرة وغيره من التفاصيل مع أسرة بن لادن. وفي أغسطس (آب) الماضي، تم إطلاع الرئيس أوباما على هذا الدليل «الظرفي» الحاسم، حسب تصريحات مسؤول أميركي.

وخلال هذا العام، بدأت قيادة العمليات الخاصة المشتركة في إعداد عملية «القضاء على الهدف»، وذلك عن طريق أعضاء القوات الخاصة التابعة للبحرية الأميركية، التي تعد أفضل وحدات مكافحة الإرهاب. وكان أمام أوباما خياران؛ إما تفجير المجمع، وإما شن غارات على مراحل، وفضل أوباما الاختيار الثاني، لأن الولايات المتحدة كانت بحاجة للعثور على جثة بن لادن.

ومن الأشياء المحيرة في هذه العملية هو هل كانت الحكومة الباكستانية على علم بهوية من يختبئ في أبوت آباد أم لا. إنها ليست منطقة نائية، حيث تقع على بعد ميلين من الكلية العسكرية الباكستانية. وقال مسؤول أميركي رفيع المستوى، إن وكالة الاستخبارات المركزية قد درست بعناية هذه المسألة، ولكنها لم تصل إلى «أي دليل» على معرفة الحكومة الباكستانية بمكان بن لادن، ولكن هذا لا يعني القول بكل تأكيد إن الباكستانيين لم يكونوا على علم بذلك، وإنها سمحت للمخابرات الباكستانية ووكالة الاستخبارات المركزية بمواصلة العمل كشركاء.

لم يقل مدير وكالة الاستخبارات المركزية، ليون بانيتا، الذي أشرف على العملية شيئا للباكستانيين، إلى أن غادرت المروحيات الأميركية أبوت آباد عائدة إلى أفغانستان. لكن المسؤولين الأميركيين وصفوا رد الفعل الباكستاني، الذي تلا العملية، بالمتعاون، وحث المسؤولون الأميركيون الرئيس أوباما على أن يدلي بخطابه، الذي جاء في ساعة متأخرة، حتى يعلم الباكستانيون في الحال أن الولايات المتحدة هاجمت بن لادن ولم تهاجم أهدافا باكستانية. وقد وعدت إسلام آباد بمحاولة تخفيف غضب الشارع الباكستاني، الذي جاء في التصريحات الداعمة يوم الاثنين.

والسؤال الذي يطرح نفسه: هل موت بن لادن يعني انتهاء «القاعدة»؟ لا يرى محللو وكالة الاستخبارات هذه النتيجة، لكنهم خلصوا إلى أن العملية ستسارع في موتها، وأن هذه المنظمة تقف الآن على شفا مرحلة حرجة يمكن أن تؤدي إلى انهيارها.

الجائزة الخفية لغارة يوم الأحد هي فريق قيادة العمليات الخاصة المشتركة، الذي جمع معلومات من المجمع قد تكشف عن موقع أيمن الظواهري، الرجل الثاني في قيادة التنظيم، أو بحسب ما قاله مسؤول أميركي شارك في التخطيط للعملية، «وهو ما يعني المكان الذي سنتوجه إليه المرة القادمة».

* خدمة «واشنطن بوست»