أنا وليبيا

TT

تساءل مازن الشيخ عن سكوتي على القذافي ولم أفتح لساني عليه إلا بعد أن سقط الجمل وكثرت سكاكينه. لمح إلى أنني ربما كنت ممن يقبضون منه، فاسمع يا سيدي.

ربما كنت الكاتب الوحيد الذي لم تطأ قدماه أرض ليبيا طوال عمره لأكثر من يومين؛ عندما دعوني للقيام بترجمة فورية لخطبه. ذهبت واستمعت لعينة منها؛ قلت لهم: آسف، هذا كلام لا يمكن ترجمته لأي لغة. عدت للندن وقدمت فاتورة عما أضعته من وقت. رفضوها قائلين إنني لم أقم بالمهمة. قلت: المحاكم البريطانية بيني وبينكم، فدفعوها. هذا كل عهدي بليبيا والليبيين.

يا أخ مازن، كيف تفترض أن الكاتب العربي حر فيما يقول؟ ما هذه السذاجة؟ حرية التفكير والتعبير هبة اختص بها الله تعالى الأوروبيين فقط. ولهذا أسميهم بشعب الله المختار. من بين كل شعوب العالم، بمن فيهم شعوبنا العربية، تميز الأوروبيون لأكثر من ثلاثة آلاف سنة، بهذه القدرة على استعمال العقل والمنطق والعلم والتفكير والتعبير الحر. ليس لنا نصيب من ذلك غير القليل النادر، ومع ذلك فإنني أدليت بدلوي في موضوع القذافي قبل سنوات في كلمة واحدة، وقلت: هذا رجل مجنون.

أثار ما قلته عن ابنه سيف الإسلام استياء معظم القراء. إننا أمة تسوقنا عواطفنا وانتماءاتنا الطائفية والعقائدية والحزبية في كل ما نراه ونقوله. أنا طبعا الإنسان اللامنتمي، ويسهّل علي ذلك رؤية الحقائق الواقعية. أنا لم ألتق به ولم أتعامل معه بأي شيء، ولكن القوم راحوا يقارنونه بعدي صدام. لا أدري ما الذي حملهم على هذا المقارنة؟ فوجه الشبه الوحيد بينهما أن كليهما ولد لأب مجنون. لم يدرس عدي أو يتعلم أي شيء في حياته. وتجلى جهله وسوء تدبيره في عجزه التام عن ترتيب مهرب له بعد سقوط أبيه. لم يكن قادرا على الكلام حتى بلهجته العامية.

أين ذلك من ابن القذافي؟ إنه الوحيد من أبناء الرؤساء يحمل دكتوراه من أعظم مؤسسة علمية في أوروبا، كلية لندن للاقتصاد. أشاعوا أنه حصل عليها زيفا، بيد أنني استمعت للبروفسور المشرف على أطروحته، فذكر أنه كان يجلسه أمامه، ويناقشه في كل ما كتب، ويلفت نظره لأي هفوات، ويستجيب للنقد فيصححها. وما أخال مؤسسة علمية كهذه تخاطر بسمعتها مرضاة لابن القذافي. وطوال وجوده فيها كان يتتلمذ على صديقي البروفسور هلدي، الذي كان معجبا به. ولم أسمع حتى الآن عن فضيحة جنسية أو سلوكية وقع فيها في ليبيا أو لندن. فضيحته المالية الوحيدة كانت شراءه لفيللا فخمة في لندن، ونددت بها، وعلى الرغم من قصر عمره، استطاع إقناع والده بالتخلي عن القنبلة النووية، وعن دعم الإرهاب. بدلا من ذلك، أسس صندوقا لمساعدة النشاط الثقافي حول العالم. لكل جواد كبوة، وكانت كبوته في خطابه المسعور عند وقوع الثورة، ويظهر أنه ندم على ما قال. عيبه الآخر أنه لم يسقط والده ويتسلم الحكم.