الكلفة المرتفعة للجهل بالمال

TT

ماذا ستفعل إذا تحولت مدخراتك التي جمعتها طوال 30 عاما من حياتك إلى مجرد دليل إدانة وضاعت مع الرياح؟ وجدت غينين روث نفسها في هذا الوضع فحسب؛ حيث أصبحت هي وزوجها اثنين من بين عدد كبير من ضحايا بيرنارد إل مادوف، بعدما استثمروا مليون دولار تقريبا مع هذا الرجل المحتال، الذي يقضي حاليا عقوبة السجن لمدة 150 عاما بسبب إداراته لبرنامج استثمار مخادع قيمته 65 مليار دولار تقريبا.

ولكن كيف يمكن ألا تشعر بذهول وصدمة مربكة بعد هذه الخسارة الكارثية؟ وقد لا يسترد بعض ضحايا مادوف قواهم العقلية على الإطلاق. والآن، على الجانب الآخر من خسارتها المروعة وبعد قدر كبير من تحليل الذات، ألفت روث كتابا بعنوان «الضياع والعودة من جديد: بوح غير متوقع عن الطعام والمال» (دار فايكنغ للنشر، 25.95 $). وقد صدر كتابها بلون اختيار نادي «كتب الأموال» لشهر مايو (أيار).

وفي أحدث كتبها، تقدم روث نظرة قريبة على الطريقة التي عثرت بها على علاقة صحية بالمال عبر استخدام المهارات التي شحذتها وهي تصارع ميلها القهري للأكل.

وتتميز روث بالشجاعة في أمانتها؛ حيث تعترف بأنها ساعدت مادوف بعدة طرق في الاحتيال عليها لأنها كانت غير مدركة للمسائل المالية الخاصة بها، بنفس الطريقة التي كانت تأكل بها بشكل غير واع. وتكتب روث: «رغم أنني لم أكن لأختار مطلقا مسار خسارة مدخرات حياتنا، فإن عدم إدراكي لأموري المالية أجبرتني، بنفس الطريقة التي أجبرتني بها معاناتي بخصوص الطعام، على الاستيقاظ والاهتمام والتساؤل عن الذهول الآلي والتفاعلي الذي كنت أعيش فيه دائما».

وتقول روث إنها لم تفهم مطلقا استراتيجية الاستثمار التي قال مادوف إنه كان يستخدمها لتقديم عائدات جيدة بشكل متسق إلى المستثمرين. وكتبت روث بقولها: «اخترت الجهل مجددا ومجددا».

وعن مغبة عدم التفكير والفهم، تقول روث إنه كان من الواضح بالنسبة لها الآن أن المستشار الذي كان قد نصحها بالاستثمار مع المحتال لم يفهم أيضا كيف كان مادوف يحقق أرباحا للناس بشكل مفترض «لأنني كنت أخرج من اجتماعاتي وأنا ما زلت غير قادرة على توضيح كيف كانت تعمل هذه الطريقة لأي شخص آخر. ولكن هذا لم يردعني». وتتعامل روث بقسوة مع نفسها، ولكنه فحص ضروري للذات. وفي وصفها للأسابيع الأولى بعد خسارتها المالية، قالت روث: «رأيت امرأة تبكي وتشعر بالأسى تجاه نفسها وفي نقطة معينة تقريبا تشتري نظارة بقيمة ألف دولار أميركي قبل أن تدرك أن هذا الشراء هو مجرد هروب آخر من الحقيقة». وقالت روث: «عندما لم أكن أبكي، كنت أرغب بإلحاح في أن أعيد الساعة إلى الوراء لمدة 10 سنوات أو شهرين أو حتى أسبوعين. وأردت أن أعرف وقتها ما عرفته الآن وأن أتخذ قرارات مختلفة عما يمكن أن أفعله بأموالي».

وكانت الرسالة الإجمالية لـ «روث» هي أنك لن تطور عادات مالية أفضل - أو عادات غذائية - إلى أن تتناول ما يدفع قراراتك للقيام بما تعلم أنه ليس جيدا بالنسبة لك. وتعتقد روث أن الناس لا يؤدون العمل الذي يساعدهم على التعامل مع قضاياهم، مثل إدمان التسوق أو الإفراط في الإنفاق أو الخوف من أي شيء مالي، لأنه من المريح ومن الأسهل الاستمرار في بؤسهم بشكل أكبر من المجهود الذي يبذلونه لكي يصبحوا أكثر وعيا. ولكن الراحة مجرد وهم.

وقالت روث: «عندما اعترف مادوف، واجهت المعادل المالي لعلاقتي المبكرة مع الطعام وهي الأزمة. وحطمت صدمة خسارة كل سنت جمعته من مدخرات حياتي، والتي اقترنت مع جهلي وطمعي وعدم إدراكي الواضح، ضبابي المالي».

وقالت روث إنها تعين عليها في النهاية أن تتعامل مع نفس المشاعر التي امتلكتها إزاء الطعام - وهي «شعورها بعدم امتلاك قدر كاف من الطعام مع رفضها لرؤية الكمية التي كنت أمتلكها بالفعل على طبقي أو في خزانتي». وفي كثير من الأحيان عندما كنت أساعد الناس على وضع ميزانية للمرة الأولى، لا ينتهي بنا الأمر للحديث عن المال. وكنا نقضي ساعات طويلة في تحليل أسباب اتخاذهم لقرارات مالية سيئة تمنعهم مع العيش بمواردهم، وهو الأمر الذي تساعد الميزانية في فعله. وتبرز أهمية الفطنة لأنه بدونها، لن يغير الناس ما يمنعهم من أن يصبحوا مديرين أفضل للمال. ويمكن القول إن كتاب «الضياع والعودة من جديد» هو كتاب يتحدث عن الخلاص. إنه يمثل تجربة تعلم التسامح مع الأخطاء المالية التي ارتكبتها؛ وهو يتعلق بوقف الإسراف في التسوق الذي يتركك مكسورا. ويتعلق الكتاب أيضا بإنهاء هاجسك إزاء ملاحظة كل سنت خوفك من الفقر.

وتقول روث إنها تسير على طريقها لكي تصبح ثرية مجددا، من خلال نجاح كتبها. ولكنها تتفهم، هذه المرة، بأن الأموال لن تجعلها غنية.

* خدمة «واشنطن بوست»