لكي تغطي الكارثة

TT

حاول رئيس الوزراء الأردني وصفي التل إقناع الملك حسين بتأخير موعد الانضمام إلى مصر في حرب 5 يونيو (حزيران). قال التل، وهو ضابط سابق، للملك: «نحن دولة صغيرة وضعيفة، فلننتظر أولا سير المعركة». ورفض الملك حسين قائلا إن الواجب القومي يفرض عدم التأخر. وفي النهاية قال له التل «دعنا على الأقل ننتظر حتى الظهر». فقال له الملك «ألم تسمع إذاعة (صوت العرب)؟ لقد تساقطت الطائرات الإسرائيلية كالعصافير، وانتهى الأمر».

كان قائد الجبهة الأردنية الفريق المصري عبد المنعم رياض. وكان هو أيضا يتلقى أخبار المعركة من «صوت العرب». وفي النهاية أدى ذلك إلى أكبر خسائر الحرب: القدس! لكن كيف سيقع ضياع القدس على الأردنيين، دعك من العالم؟ سرت أنباء تقول إن الجيش الأردني فقد 30 إلى 40 ألف رجل. وراحت الحكومة تدرس كيفية مواجهة الكارثة. وبدأ إعداد اللوائح والمدافن الجماعية. يقول الوزير والسفير حازم نسيبة في «ذكريات مقدسية» (دار «رياض الريس») إنه فجع بالأنباء، وأخذ يرتب مسألة إبلاغ الأهالي. ثم تبين أن العدد أقل من ذلك بكثير. فمن كان وراء الأنباء الأولى؟ هنا يعرض علينا الدكتور نسيبة درسا من دروس الجزء الآخر من الحرب.. ليس فقط كيف تخوض حربا نفسية ضد عدوك، بل كيف تخوضها أيضا إلى جانب أهلك. يقول «عندما نعود إلى الوراء نجد أن نشر تلك الأنباء المفزعة عن إبادة الجيش كان من صنع أجهزة مخابرات، أرادت التخفيف من صدمة سقوط القدس والضفة الغربية بنشر أنباء مروعة عن استشهاد أعداد هائلة من الجيش العربي الأردني». كان يجب اختراع كارثة مخيفة، ليست طبعا في حجم ضياع القدس، لكن ذات حجم يلهي الناس قليلا عما سوف يبكونه طويلا بعد ذلك.

دك الطيران الإسرائيلي القوات الأردنية في جنين ونابلس ووادي الأردن والقدس، وهي بلا غطاء جوي كانت تنتظره من مصر. وأُمرت وحداتها بالانسحاب إلا من الخطوط الأمامية. وعندما تلقى عبد المنعم رياض كل التقارير، قال للملك حسين في غرفة العمليات: «هذا هو الوضع، فإما خسارة الضفة الغربية، وإما خسارة الضفة الغربية زائد الجيش».

لم يكن سقوط القدس والضفة الكارثة الوحيدة، كما يروي حازم نسيبة، بل كانت هناك أيضا كارثة هجرة شبيهة بهجرة 1948، ولذلك دعا إلى إغلاق الجسور بسرعة بين الضفتين. وقبل أن يتم ذلك كان 200 ألف شخص قد عبروا إلى الضفة الشرقية من نهر الأردن، وظلت قوات الاحتلال تدعو المواطنين بمكبرات الصوت إلى الخروج، وتهدد كل من يبقى بالذبح بعد ثلاثة أيام. ويكشف الدكتور نسيبة أمرا آخر: لقد أبلغه اللورد كارادون، واضع القرار 242، أن اللعب على «أراض محتلة» بدل «الأراضي المحتلة» كان متعمدا: «حازم، هذا كل ما استطعنا الحصول عليه في ضوء نتائج حرب 67».