النظام: متى يتنازل ومتى يعاند؟

TT

ما الذي يمكن للنظام أن يفعله عندما تثور الاحتجاجات.. هل يقدم تنازلات ويشتري سلامته أم يصر على موقعه للمحافظة على هيبته؟ الإجابة نجدها عند المعارضة لا السلطة. إن كانت الاحتجاجات تعبر عن غضب عميق فلا خيار سوى تقديم أكبر كم من التنازلات، أما إن كانت هبة غضب بسبب حدث معين حينها يمكن الاكتفاء بعلاج إسعافي.

الانتفاضات الأخطر هي تلك التي تبدو واثقة من نفسها، وهذا ما يميزها عن حالات التمرد المؤقتة. المتظاهرون السوريون يشعرونك بأنهم جماعة حسمت أمرها، أقل خوفا وأكثر تصميما، جمعة بعد أخرى. من بين اليافطات الساخرة المحمولة التي شاهدناها في مظاهرات الأيام الماضية واحدة تقول: «نرجو من الأمن السوري أن يستخدم الرصاص المطاطي مثل الجيش الإسرائيلي»!

في المقابل هناك تخبط فيما يصدر عن السلطة السورية والمتبرعين بالدفاع عنها، فالحكومة تصدر بيانا تقول فيه إنها أعطت الأوامر بمنع إطلاق النار على المتظاهرين، لتظهر تعليقات المعارضة في كل مكان تقول: «آهه.. السلطات تعترف الآن بأنها هي التي كانت في السابق تأمر بإطلاق النار». وعندما حشدت السلطة الرسمية من يدافع عن موقفها كانوا محامين سيئين. ظهر أشهر الفنانين السوريين الممثل الساخر دريد لحام يقول إن واجب الجيش ليس محاربة إسرائيل بل حفظ النظام الداخلي، عمليا لحام أطلق النار على النظام ولم يدافع عنه. ثم ارتكب رمز متهم بعلاقته بالسلطة ما هو أعظم، رامي مخلوف رجل الأعمال المتهم بأنه تاجر السلطة، تحدث لصحيفة الـ«نيويورك تايمز» فقال محذرا إن هز النظام السوري سيعني تهديد أمن الجارة إسرائيل. دهش السوريون، فالرجل أدان النظام السوري عندما ربط بين أمن سوريا وأمن إسرائيل.

الحقيقة أن السلطات تعالج الانتفاضة كما لو أنها مجرد مظاهرات عابرة، حالة مزاج مستنسخة عن مصر وتونس، في حين يبدو لنا أن المظاهرات السورية أعمق الانتفاضات العربية التي شهدناها حتى الآن. وأحداث الأسابيع الماضية تبرهن على ذلك. فحركة المعارضة تتسع كل أسبوع والمشهد يزداد تعقيدا، والحكومة لم تقدم حتى للواقفين في المنتصف ما يبرر لها العنف الذي ارتكبته قوات الأمن بوحشية. لا شيء ألبتة.

صحيح نحن جالسون على بعد آلاف الكيلومترات بعيدا عن ميدان الحدث، وهم هناك أعرف وأدرى بالتفاصيل المحلية، وهذه حجتهم دائما لإسكات التساؤلات المستنكرة، لكن لأننا بعيدون عن التفاصيل يمكن أن نراها بوضوح ويمكن لنا نقرأها مستقبليا. بالقمع لا نرى نهاية للانتفاضة السورية، ولا نستبعد أن يسقط النظام وهو منشغل في إدارة التفاصيل الهامشية، مثل تسمية قناصة الأمن بالشبيحة، ووصف المقبوض عليهم بالمستسلمين، وجمع بضعة فنانين للدفاع عن النظام على شاشات التلفزيون. كلها أكياس رملية لا قيمة لها ولن تضيف لعمر سلطة دمشق ساعة إضافية. على الرئيس بشار الأسد أن يمد في عمر النظام من خلال مقاسمة السلطة مع الشعب، عليه أن يفتح باب المشاركة السياسية لكل القوى المختلفة، ومنحهم حتى كل الحكومة لا مجرد بضعة كراسي فيها، إن كسبوا الانتخابات. من دون ذلك سيذوب النظام مثل قصر من رمل على شاطئ البحر. عليه أن يدرك أنه لا قيمة للتوازن الإقليمي مع إسرائيل، ولا مع إيران، ولا قيمة للدعم الروسي أو غيره، ولا قيمة لكل المواقف السياسية. الحسم فقط في يد الرئيس.. بانفتاحه وتقديم التنازلات لمواطنيه سينقذ سوريا.

[email protected]