مصر التي في خاطري

TT

أعلن وزير المال المصري (سمير رضوان) بأن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر سجلت مستوى قياسيا بلغ (13 مليار دولار) قبل الأزمة المالية العالمية، لكن سرعان ما تراجعت بعد ثورة 25 يناير نتيجة الاضطرابات وتوقف عجلة الإنتاج والنشاط السياحي. وأكد حرص الحكومة على إعادة الأمان، ودعم وزارة الداخلية لتعيد بناء قدراتها وإمكاناتها لضبط الأمن.

وهذه العقدة أو (الكارثة الأمنية) هي التي أريد أن أتحدث عنها اليوم، بعيدا عن تكبد الاقتصاد المصري خسائر بلغت، خلال ثلاثة أشهر فقط، أكثر من (70 مليار جنيه) (والحبل على الجرار)، وسوف يستمر (العداد يحسب) ما دام الوضع الأمني وصل إلى هذه الدرجة من الخطورة.

فالأمن في أي دولة في العالم هو (الأول والأخير)، وإذا انفلت الأمن فلا سياسة ولا صناعة ولا زراعة ولا سياحة ولا تعليم ولا فن ولا خطب مساجد أو كنائس تنفع، بل إن الأمن إذا لم يكن مساويا للخبز، فهو يتفوق عليه بالأهمية.

وحال مصر اليوم لا يسر أي صديق بدون شك، فالثورة (على العين والرأس)، ولكن إلى حين.

بمعنى أن الثورة إذا تحولت إلى مجرد (غوغاء) وانفلات، فالله الغني، وساعتها لن تكون لا على العين ولا على الرأس، ونتيجة لذلك الانفلات الأمني تحطمت مستودعات الأسلحة الحكومية، وسرقت منها آلاف قطع السلاح من جميع الأصناف، وبحسب ما ذكره (منصور العيسوي) وزير الداخلية الجديد: أن (24000) سجين هربوا، وما زال هناك (8400) سجين هارب، والمفارقة أن ارتفاع معدل الجريمة في هذه الأيام يأتي مناقضا بشكل واضح لما كانت عليه الحياة في ظل دولة مبارك البوليسية، حينما كان من النادر نسبيا حدوث جرائم عنيفة في الشوارع.

المشكلة أن جهاز الشرطة بعد (25 يناير) كان بين نارين، وحسب ما ذكر عن رجل شرطة أنه قال: إن أفرادنا الذين حاولوا أن يدافعوا عن أقسامهم من اقتحام المتظاهرين، اتهموا بالبطش وقبض عليهم وأودعوا السجون، والمضحك أن من تركوا المستودعات ونفذوا بجلودهم خشية السجن، قبض عليهم كذلك وزجوا بالسجون بتهمة التفريط بالأمانة والهروب من تحمل المسؤولية (!!).

ويتساءل المسكين بحسرة: إذن ماذا يتوقعون منا؟!

إن سؤاله منطقي ومشروع، فهل هناك من يملك الإجابة عن تساؤله الصادم هذا؟!

أكتب هذه الكلمات والله وحده يعلم الأسى والقهر الذي يعتمل في نفسي لما يجري على الساحة المصرية من (شبه جنون).

ومصر لا تستحق كل هذا، وأهلها ليسوا بعاجزين.

وصدقوني أنه لا يدمر أي أمة سوى ترديد الشعارات الجوفاء التي ليس لها أي رصيد في عالم الواقع، وكفى مصر ابتكارا للشعارات وكتابتها والهتافات بها منذ عشرات الأعوام.

التجمعات (المليونية) في ميدان التحرير وغيره، أصبحت مملة وكاتمة على صدر الأمة، ومعطلة للعمل ومصالح الناس، وأخشى ما أخشاه أن تكون هناك ردة فعل عكسية تكفر بكل مبادئ الثورة، إذا وصلت الثورة إلى هذا المستوى من السذاجة والتخبط.

[email protected]