موت بن لادن أم موت الـ«بن لادنية»؟

TT

بعد اغتيال بن لادن، نواجه الآن سؤالا مهما وهو: هل يمكن أن تدعي أميركا أن موت بن لادن هو موت الـ«بن لادنية»؟ بعبارة أخرى، هل عملية اغتيال بن لادن هي مجرد عملية اغتيال رجل أم اغتيال لاتجاه أو آيديولوجية؟ على سبيل المثال، وقع اختيار العدد الأخير من مجلة الـ«إيكونوميست» على عنوان: «قتل بن لادن.. ويجب الآن قتل حلمه! وهذا يعني أن ثمة اختلافا بين بن لادن كشخص وبن لادن الحلم».

في أعقاب أحداث 11 سبتمبر (أيلول)، كان الجميع يتحدثون عن قيام عالم جديد. وقد قيل إن العالم بعد هذا التاريخ يختلف اختلافا جذريا عن العالم قبله. وإذا قبلنا دور بن لادن بوصفه العقل المدبر لهذه الأحداث، فهذا يعني أنه كان الرجل الذي غير العالم؛ وليس جورج بوش أو الحكومة الأميركية. من الواضح أن أميركا كانت قد بدأت شن حروب كرد فعل لهجوم تنظيم القاعدة على برجي التجارة؛ حربين ضد دولتين كتعويض عن تدمير برجين، عملا بمبدأ: «العين بالعين»!

يبدو لي أن قتل بن لادن لم يكن نهاية الـ«بن لادنية». بعبارة أخرى، لم يكن بن لادن المصدر الرئيسي وجوهر المقاومة أو الجهاد ضد أميركا والغرب.

لقد كان بن لادن بمثابة رمز، وهذا يعني أن هناك موقفا مهما جدا وفجوة تزداد اتساعا بين أميركا والعالم الإسلامي. وكان بن لادن يستغل هذه الفجوة، وأدرك أناس عدة وأجيال كثيرة رسالته، وكان سجن غوانتانامو بمثابة واجهة تجسد تلك التعددية.

من دون وضع رسالة بن لادن أو حلمه في الحسبان، فلن يكون موت بن لادن هو نفي للاعتقاد بنهاية الـ«بن لادنية» فحسب؛ بل سيكون أيضا بمثابة بداية جديدة لها، فعلى العكس، سيدعم موته (أو شهادته كما يعتقد أتباعه) حلمه. على سبيل المثال، في أبوت آباد (باكستان)، يفد لزيارة معقل بن لادن كثير من الباكستانيين، الذين يعتبرونه مكانا مقدسا بالنسبة لهم. فنحن نرى بعض الناس يبكون ويقبلون الحوائط والأبواب. وكما نعرف، فلكي يعيش أي حلم، يجب الاستشهاد في سبيله.

فلماذا لا يزال إرنستو تشي غيفارا حيا بيننا؟ وفي ميدان التحرير بالقاهرة، شاهدنا الشباب المصريين يحملون صوره. ويعني هذا أن حلمه ما زال حيا. بينما لا نرى أي صور لأبراهام لينكولن؟ الإجابة شديدة الوضوح، لأن حلمه قد تحقق، فإننا الآن نشاهد باراك أوباما يتولى رئاسة أميركا بوصفه أول أميركي أسود.

يمكننا تشبيه تلك الأحلام بشجرة، وحينها يمكن اعتبار شخصيات مثل بن لادن ثمارها؛ وبما أن الجذور لا تزال قوية ويغذيها الغذاء المناسب، فسنشهد ثمرة جديدة. فإذا كانت أميركا ترغب بالفعل في تجفيف جذور هذه الشجرة، فلماذا لم تلق القبض على بن لادن؟ ولماذا قتلته قواتها من خلال عمليتها التي استغرقت أربعين دقيقة؟

تخيلوا معي مشهد قتل بن لادن أمام ابنته صفية التي يبلغ عمرها عشر سنوات وزوجاته. وقد خشيت القوات الأميركية من دفن بن لادن، فألقوا جثته في البحر. كل تفاصيل هذا السيناريو الأميركي، في حقيقة الأمر، تغذي حلم بن لادن.

ولكي أكون صادقا، فإنني أعتقد أن أميركا تحتاج لحماية وتدعيم حلم بن لادن. لقد دمر بن لادن وتنظيم القاعدة برجي مركز التجارة العالمي في مدينة نيويورك، ولكن أميركا دمرت دولتين وأمتين؛ أفغانستان والعراق. من بدأ التركيز على الاختلافات الدينية في منطقتنا للمرة الأولى واستغلالها؟ عندما قسم الأميركيون العراق، كانت هذه بداية قصة جديدة. لقد قاموا بتقسيم العراق إلى ثلاث فرق؛ الشيعة، والسنة والأكراد. وهذا يعني أنهم نظموا تاريخا طويلا من المنافسات، وأحيانا الصدامات بين المجموعات الثلاث الرئيسية في العراق، بعبارة أخرى، قسموا العراق في صميمه.

وبعد احتلال صدام الكويت، زار راجيف غاندي إيران، وكان يخطط لزيارة العراق، واعتزم التفاوض على إطلاق سراح المحتجزين الغربيين، وكنت أستضيفه في إيران، وكانت بصحبته زوجته سونيا، وكان الحديث إلى غاندي بمثابة فرصة ذهبية بالنسبة لي.. لقد ناقشنا العديد من الموضوعات، وفي أحد الأيام، أخبرني أن الأميركيين لا يرغبون في أن تنعم المنطقة بالاستقرار. ودائما ما يخلقون مشكلات. كان يتحدث عن ضياء الحق؛ الرئيس الباكستاني الذي توفي في حادث طائرة.

وقد قيل إنه في عام 2001، ألقت القوات الأميركية القبض على بن لادن في «تورا بورا» لكنهم أطلقوا سراحه. وقد أطلقوا سراحه نظرا لأنه وقتها لم يكن القبض على بن لادن أو قتله في صالح أميركا. ولهذا، تلقت القوات الأميركية أوامر بإطلاق سراح بن لادن. والطرف الآخر في هذا الموضوع شديد التعقيد، هو إسرائيل، ومن الواضح جدا أن إسرائيل هي محور المشكلة في المنطقة. غير أنه دائما ما يقول الأميركيون والإسرائيليون إن إسرائيل جزء من الحل. وهم يزعمون أنه في ظل الشرق الأوسط الجديد، ستحل إسرائيل كل المشكلات كما لو كانت تمسك بعصا سحرية. وفي كتاب عن سيرته الذاتية، يقول نتنياهو: «يجب أن تكون إسرائيل مركز الشرق الأوسط. أميركا هي مركز العالم، وستكون إسرائيل هي مركز الشرق الأوسط» وليس نتنياهو وحده هو من يدعم هذا الرأي، فشيمعون بيريس له كتاب يحمل عنوان «الشرق الأوسط الجديد». وفي هذا الكتاب، يركز على الدور العظيم لإسرائيل في المنطقة، في رأيه. وقد حلم بأن تصبح إسرائيل القوة العظمى في الشرق الأوسط. وهناك جانب آخر لهذه الأحلام أيضا، كتدمير دولة فلسطين.

وقد استخدمت الولايات المتحدة حق الفيتو في رفض قرار خاص بالعرب أصدره مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، يدين المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية باعتبارها عقبة في طريق تحقيق السلام.

وقد دعم أعضاء مجلس الأمن الأربعة عشر القرار، الذي صدقت عليه منظمة التحرير الفلسطينية. كان هذا أول رفض لإدارة أوباما، التي كانت قد وعدت بتحسين علاقاتها بالعالم الإسلامي.

ويهدد قرار إدارة أوباما بإثارة غضب الشعوب العربية والإسلامية في وقت تجتاح فيه الاحتجاجات الشوارع الرئيسية في الشرق الأوسط. وكانت الإدارة الأميركية قد مارست ضغوطا كبيرة على الفلسطينيين لسحب القرار وقبول البدائل، إلا أن هذه البدائل قد قوبلت بالرفض في نهاية الأمر.

على الجانب الآخر، كان التأييد ساحقا؛ فقد أيدت 130 دولة القرار، وصوت بالموافقة عليه جميع أعضاء مجلس الأمن الآخرين.

وكانت النتيجة هي التبني القوي للموقف الفلسطيني بشأن المستوطنات الإسرائيلية، بأنها غير شرعية، وتمثل عقبة في طريق تحقيق السلام.

إنها أرض خصبة لبزوغ «بن لادنية» جديدة! في الوقت نفسه، تدافع أميركا، باعتبارها الداعم المطلق وبشكل غير مشروط لإسرائيل، عن جرائم إسرائيل ضد الفلسطينيين.

وهذا هو السبب الرئيسي لظهور الـ«بن لادنية». لقد كان بن لادن بمثابة سمكة قرش ضارية تهدد بافتراس أميركا، لكن لا يزال البحر موجودا، ولا يزال جثمان بن لادن قابعا في أعماقه!