خيارات

TT

تراجعت أعمال العنف التي كان يقوم بها حزب العمال الكردستاني منذ اعتقال زعيمه عبد الله أوجلان. وانحسرت أعمال العنف الانتحاري في سريلانكا منذ اغتيال زعيم «التاميل». وقلّت الثورات المسلحة في أميركا اللاتينية بعد مقتل تشي غيفارا. وفي المقابل تلاشت معظم الأنظمة القمعية التي كان وجودها العسكري قائما بدعوى مواجهة اليسار، كما في الأرجنتين وتشيلي وبيرو والبرازيل وجمهورية الدومينيكان.

إلى ماذا يمكن أن يؤدي مقتل أسامة بن لادن؟ ثمة مناخ عنفي حمله الرجل معه إلى أمكنة كثيرة. وصار له مقلدون (ولو في تنظيمات أخرى) من السودان إلى أفغانستان إلى العراق. وقد غابت الظاهرة العنفية، خطابا وارتكابا، في معظم أنحاء العالم، وما زالت تزدهر هنا. وفي مجملها، إلا القليل، تستهدف الأبرياء والضعفاء والذين لا علاقة لهم بشيء. والعنف الذي ظهر في امبابة هو انفلات غرائز، أكثر مما هو مسؤولية «فلول النظام» ومحاولة «تشويه الثورة». فمثل هذه الأحداث كانت تقع قبل الثورة بكثير. وقد تحولت منذ أوائل السبعينات إلى حوادث دورية في الأرياف والمدن.

أُعطي العنف طابعا مقدسا. وألغى البعض الحرمة عن القتل والانتحار. وتحول الموت المجاني في شوارع بغداد إلى طقس يومي، أو تقليد وطني. ولم يعد أحد ينتبه إلى أعداد القتلى والجنازات الجماعية. ولم يعد الاحتلال الأميركي فظاعة في حد ذاته، بل صار ذريعة كريهة وكاذبة لنشر ثقافة الموت وتفتيت العراق وتقسيم النفوس حتى النهاية.

صحيح أن عنف بن لادن أضر بأميركا وكبدها خسائر مالية كبرى، لكنه أيضا قلب صورة العرب والإسلام، وتسبب في أضرار لا يمكن حصرها. وكان تدمير برجي نيويورك عبر جثث المهاجمين القاصدين والركاب الأبرياء، ذريعة جورج بوش لضرب العراق وأفغانستان، وسببا في تسميم حياة ملايين المسلمين والعرب، في أميركا وغيرها.

لم يخترع أسامة بن لادن العنف، لكنه سوّغه وسوّقه بطريقة رومانسية شاعت في القرون الوسطى. لم يحل العنف مشكلة في أي مكان. موجة قتل تتسبب في مجزرة ثم تنسى بعد أيام. محل النظام اليساري والنظام القمعي الفاشي، حل في تشيلي نظام ديمقراطي جعلها خلال عقدين، أولى دول القارة. ومحل جنرالات الفساد في البرازيل، الذين كانوا يقتلون أو ينتحرون، صار في إمكان عامل بسيط أن يحقق تقدما اقتصاديا مذهلا.

أي نظام نريد أن نختار وأي نهج: أن نحوّل الأمة إلى أفغانستان أم إلى ماليزيا؟ إلى باكستان أم إلى إندونيسيا؟.. وماذا نريد أن ننجز: تكبيد الآخرين الخسائر أم الانتقال بشعوبنا إلى المكسب؟