مع الخطايا.. التوريث في الجامعة العربية!

TT

طيلة العقود التي بقيت خلالها رئاسة الجامعة العربية من حصة مصر، لم تتقدم الجامعة خطوة واحدة إلى الأمام. وخلال عقد عمرو موسى ارتكبت الجامعة «خطايا» كثيرة، خصوصا في أساليب التعامل مع مظاهر الاحتجاج والانتفاضات العربية؛ حيث تعاملت بانحياز سافر وانتقائية غريبة، فشرعت في مكان وأصيبت بالخرس في أكثر من مكان، ففقدت الحيادية والمهنية والمصداقية دفعة واحدة. وأصبح وجودها بلا مسوغ منطقي.

وكان على الدول العربية أن تتخذ موقفا آخر تضع بموجبه حدا لـ«ملكية» مصر على الجامعة، وإتاحة الفرص للكفاءات العربية لتأخذ طريقها بدلا من جعلها «وراثية» محددة بدولة واحدة. بعيدا عن التفسيرات الخاطئة، فمصر، التي تستحق التقدير كله، لا يحق لها الاستحواذ على رئاسة دائمة، خصوصا بعد سلسلة التراخي في المواقف الخارجية والضعف الحكومي البارز لحكومة «الثورة». فلأول مرة تبنى حكومة ثورة على قواعد الضعف وعدم الثقة في المواقف الدولية. ولم يكن نبيل العربي موفَّقا في الكثير من المواقف والتصريحات خلال فترة إشغاله الوجيزة لوزارة الخارجية. وإذا نقل نهجه إلى الجامعة العربية فستصاب المواقف العربية بنكسات فعلية.

الطريقة التي تعاملت بها حكومة الثورة المصرية تجاه الرئيس مبارك وأفراد عائلته جعلتها موضع انتقاد شديد، ومع أنني أعترف بالصدمة مما نسب إلى عهده من فساد وزاري فظيع، فقد كانت هيبة الدولة كبيرة على المستوى الخارجي، وتمكن الرئيس مبارك من قيادة مصر في مراحل عصيبة من تاريخها، وهو ما يتطلب معالجة ملف الفساد بطريقة مختلفة تستعيد الأموال المتحققة بطرق غير شرعية، وتتجنب التنكر للمنجزات المهمة على مدى ثلاثة عقود. وكل محاولات التنصل من قبل هذا الطرف أو ذاك ممن شاركوا في النظام السابق ينبغي رفضها وعدم قبولها كسلم إلى رئاسة مصر الجديدة، طالما جاءت متأخرة.. فمصر بحاجة إلى قيادة جديدة أو مراجعة إجراءات ما بعد التغيير.

من المنطقي والمفروض أن تكون للجامعة العربية مؤسساتها الثابتة، بما في ذلك بناء مجمع ضخم في مصر لتأمين انعقاد مؤتمرات القمة في مكان واضح ومحدد، أي أن تكون المقرات ثابتة. وما حصل بعد قمة بغداد، بعد زيارة السادات للقدس، قد لا يتكرر.. فمصر كانت، وستبقى، قلب البلاد العربية، حتى لو تعرضت لحالات ضعف شديد كالتي فرضتها ظروف الإطاحة بنظام مبارك.

المجلس العسكري الأعلى حالة مؤقتة، وقد تمكن من إدارة العملية الانتقالية بطريقة سُجلت له. لكنه لا يزال تحت تأثير ضغوط الاحتجاجات وما أعقبها. وترتب على هذا وصول قيادات سياسية ضعيفة مقارنة بما هو مطلوب من دور تاريخي لمصر.. وانتقال حالة التشتت والضعف من الخارجية المصرية إلى الجامعة العربية يشكل خطرا على مستوى الالتزامات والمواقف الاستراتيجية، فلأمانة الجامعة تأثيرها على الرغم من سلوك الخضوع للإغراءات والضغوط.

طيلة فترة الاضطرابات العربية الأخيرة كنت في وضع تأمل ومراقبة، وأكثر ما جلب انتباهي الضعف الشديد لحكومة الثورة المصرية ورئاستها الحالية، والمغالاة في توجيه انتقادات لا تدل على مواقف مبدئية. وكنت أتمنى لو أن الجامعة العربية كانت من حصة العطية بعد سياسة واضحة في مجلس التعاون الخليجي، وهو ما لا يوجد ما يشير إلى تبنيه من قبل نبيل العربي، لكن بقايا المعادلات لا تزال قائمة. وعلى الثورة المصرية أن ترتقي إلى مستوى الثورة في التغيير، لا أن يجري الخضوع لأصوات غوغاء تسيء إلى أهدافها النبيلة.

ومع أن الثورة المصرية سجلت مواقف مهمة غير معتادة في البلاد العربية، فمن الحق تسجيل علامة الامتياز في السبق الثوري للثورة التونسية؛ فالثورة المصرية لم تكن رائدة بقدر ما هي استنساخ لما حدث في تونس، باستثناء الدور الكبير للجيش المصري الذي ساعده تنحي الرئيس مبارك في المحافظة على تماسكه.

الخطايا التي ارتكبتها الجامعة العربية في العقد الأخير عموما، وفي ربيع الثورات خصوصا، كان مفترضا أن تقود إلى وقف التوريث، ولا يكفي إرضاء الأمين العام الجديد لهذا الطرف العربي أو ذاك، فالمطلوب التناغم مع مطالب الشعوب وليس السير على حبال المصالح وإطلاق تصريحات مربكة للمصالح العربية العليا في أفقها الاستراتيجي.

أما وقد بقي التوريث، فينبغي أن تبدأ مرحلة المراقبة والتتبع والمحاسبة جماهيريا، وهذا يتطلب أن يلتزم الأمناء من الإعلاميين بأمانة الموقف بقول الحقيقة.