اقتراح لوزير الداخلية المصري

TT

للمرة الثانية نتحدث عن الشأن المصري وما يجري فيه، ولكننا هذه المرة سوف نتحدث بطريقة (رومانسية).

ففي هذه الجريدة وبتاريخ 25/3/2011، قرأت الخبر التالي الذي يقول: «إن السجون المصرية كاملة العدد، وبناء عليه، اضطرت مصلحة السجون بوزارة الداخلية المصرية إلى الإفراج عن آلاف المساجين، منذ ثورة 25 يناير (كانون الثاني)، نتيجة امتلاء السجون عن آخرها»، وحلا لهذه المعضلة أتقدم لوزير الداخلية المصري الموقر بهذا الاقتراح الذي ليس هو من بنات أفكاري، وإنما هو عبارة عن تجربة تفتقت بها قريحة مأمور السجن في (الزقازيق) - ومتى كان هذا؟! كان في أواسط الثلاثينات الميلادية من القرن الماضي، وقد جاء في مجلة مصرية قديمة منقرضة اسمها: (مسامرات الجيب) الخبر التالي:

إنه سجن عجيب بلا أسوار، ولا جدران، ولا حديد، ولا أسلاك شائكة، وعلى أرض مساحتها أربعة أفدنة!

هذا هو سجن الزقازيق، خارج البلدة، في الطريق الزراعي.

أول ما يطالعك منه لافتة كتب عليها (مزرعة السجن العمومي) وبعد الحصول على إذن رسمي.. تدخل المزرعة من بابها إلى ممشى نظيف، على يمينه زراعة (الباذنجان) مخططة بعناية ودقة وقد غرست شتلاتها بنظام عجيب، وعلى الشمال زراعة (القرع العسلي)، ثم (الملوخية) تلمع وريقاتها ويتلألأ الندى في عروقها الخضراء تحت أشعة الشمس، وترى أسرابا من الأرانب، تقفز نافرة هنا وهناك، ثم ترى الرجال - المساجين - يداعبون الأرض بفؤوسهم في نشاط.

ويحدثك مأمور السجن فيقول:

- هذه أول مزرعة من نوعها في القطر. وقد أنشأناها منذ خمسة أشهر فقط، وكان يجب أن تنشأ من سنين!

ثم يستأنف المأمور حديثه فيقول:

- كانت النظرة القديمة إلى السجين أنه عضو فاسد من المجتمع يجب بتره، ولكن، وفي أيامنا هذه يجب أن تتغير هذه النظرة، فالسجين إنسان أولا، وقد كانت بعض السجون، ولا تزال، مزرعة للإجرام تخصب فيها البذور التي كان يرجى لها بعض الصلاح. فلم يؤد السجن دور المزرعة الصالحة تنبت النبات الأخضر بدلا من الشوك والطحلب! وقد أغلت المزرعة كل ما يلزم السجناء من خضراوات طازجة، ويبقى بعد ذلك قدر كبير منها يباع لحراس السجن بسعر قرش صاغ للأقة الواحدة من أي صنف!

وللمعلومية يبلغ عدد المسجونين هناك عشرين سجينا يقوم على حراستهم جنديان اثنان. وإذا علمت أن أحدا من هؤلاء المساجين لم يفكر أو يحاول الهرب، أيقنت أن الحراسة هناك عملية إنسانية يقوم فيها كل من الطرفين بمساعدة الآخر على أداء واجبه، وقد تتساءل:

- ألم تغر الحرية ببريقها فريقا من هؤلاء التعساء؟ ألم يحدث أن حاول أحدهم الفرار؟!

فيجيبك المأمور:

- هذا هو الشهر الخامس، ولم (يتشرف) السجن بفرار أحد منه بعد، وأظن أن هذا لم ولن يحدث، لسبب بسيط هو أن المذنب يشعر وهو يعمل أنه يأكل بعرق جبينه..

ويبدو لي أن مأمور (سجن الزقازيق) في ذلك الوقت قد سبق بفكرته عصره، وسبق حتى مآمير (السويد) الذين بدأوا يطبقون فكرته متأخرين في هذا الوقت. من المؤكد أن من يقرأ اقتراحي هذا سوف يتهمني إما (بالتهكم)، أو (خفة العقل)، والتهمة الأولى ليست صحيحة على الإطلاق، أما الثانية ففيها وجهة نظر، ولو كان (الهوى هوايا) لجعلت من سجون مصر كلها حدائق غناء ليس لها حد.

طبعا من دون أن ينبهني أحد، أعرف أن كلامي هذا فيه شيء من السذاجة.

[email protected]